مسيّرات الحوثي في "لحظة الخليج"

02:22 2022/01/26

صعّد الحوثيون خلال الآونة الأخيرة وخزاتهم تجاه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، نتيجة ما لحق بميليشياتهم وأدى إلى دحرهم من بعض مناطق الجنوب اليمني إثر مواجهة قوات ألوية العمالقة الجنوبية الموالية للشرعية والمدعومة من قطبي التحالف العربي الرياض وأبوظبي.
 
نجم عن التصعيد الحوثي تجاه أبوظبي (منتصف كانون الثاني – يناير 2022م) سقوط 3 قتلى هنديين وباكستاني وجريحين مصريين (و4 مدنيين جرحى لم تكشف جنسياتهم)، من بعد أسبوعين من احتجاز سفينة روابي الإماراتية قبالة شواطئ البحر الأحمر اليمنية. نتيجة هذا شنت قوات التحالف العربي "ضربات موجعة" وسط العاصمة صنعاء ومدينة صعدة. ثم صدرت المعلومات والتصريحات الدولية حول نتائج أهداف الغارات، ليعقبها نفي التحالف. فتأرجحت الدقة بين الضربات والمعلومات.
 
هي الحرب إذاً.. "وما الحرب إلا ما علمتُمُ وذُقتُمُ"، وقلتم ونفيتم. أ في هذا جديد؟ تلك طبيعة الحرب فعل ورد فعل، هجوم ودفاع، مباغتة ومفاجأة، كر وفر، "وليس في الحرب فرصةٌ للرجاءِ" بأن يقر أي طرف بخطئه، إلا نادراً حسبما يعلن فريق تقييم الحوادث بقوات التحالف من تقرير ويطلق الناطق الرسمي من تصريح.
 
في الجانب المقابل تجد طرفاً "لا يبالي" بشيء، ويضع نفسه موضع دفاع ويقدم نفسه صاحب حق أصيل، ويتوهم احتكار الحقيقة ويمعن احتقار الآخرين، ويتمنع عن قبول مبادرات السلام كونه يتصرف متجاهلاً واقعه ويريد سلاماً على هواه وحده، فيقتحم المجالات "كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ". وهو انتفاخ يعانيه ويعيشه "المسيَّرون" ذوو "المسيَّرات"، ويخلق حالةً حالت دون التقاط كثيرٍ من الرسائل السياسية مفضلين الرسائل العسكرية، الأمر الذي يجعل الحرب مفتوحة على احتمال إطالة الأمد.. ويؤخر الاقتراب من مرافئ السلام.
ولأنها حرب مفتوحة على احتمالات تحتمل كل تأويل لا تستغرب القول: إن أطراف "اليمننة" باسم الشعب يتقاتلون، وعلى الإشارة إلى انتهاك القانون الدولي يتسابقون.
ستدرك الفارق بين من يحتمي بالقانون ويظلله، وبين من ينتهك كل قانون ويضلله. ومن يباهي بالعنتريات ويتشدق بالمبادئ والحقوق "كمسائل نظرية بحتة" تخضع بوضوح لانتقائية جماعية يسهل معها تبرير كل التصرفات.. والوخزات.
لكن؛ هل تعكر هذه الوخزات على ما يسميها د.عبدالخالق عبدالله "لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر"، وتضعف قواه الناعمة والصلبة؟
 
على العكس مما أراد المسيِرون ونفذ المسيَرون، لم تعكر المسيّرات صفو اللحظة الخليجية فبدت كعارض شتوي لا يعيق استمرار الفعاليات وسط أبو ظبي، كاستمرار الحياة في غيرها، بل زادت تفرز القدرة والفاعلية الدبلوماسية أو "القوة الناعمة" التي تعزز "القوة الصلبة" على المستويين الإقليمي والدولي.
 
وكون تلك المسيّرات استهدفت كلاً من الإمارات والسعودية، فإن هدفاً تم إحرازه عبر "التحرك الإماراتي السريع" مسنوداً من "الثِقَل السعودي الراسخ" توكيداً على "وحدة صف" وتنسيق قطبي التحالف -حسب مصدر موثوق- ومطالبتهما بإعادة إدراج الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب الدولي، علماً بسبق السعودية إلى تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية في مارس 2014م ثم في نوفمبر 2014م صنفتهم الإمارات.
 
التحركات الإماراتية برزت بدءً من تصريحات سيد البيت الأبيض بواشنطن، وعقد جلسة مغلقة بمجلس الأمن الدولي بنيويورك والاجتماع وسط "القاعة المُجدَدَة إماراتياً" لمجلس جامعة الدول العربية بالقاهرة، من خلال مسودات البيانات الأممية ومشاريع القرارات العربية، علاوة على اتصالات موسكو وغيرها من العواصم بأبي ظبي. ثم تصريحات ولقاءات سياسية تنم عن مرونة يتمتع بها الكبار ويتداولها اللاعبون البارعون بإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وعدم تصعيد الموقف مع الجميع.. من مُسيِرين وحتى مُسَيَرين. فلا تدنو الكلمات والتصريحات إلى مستوى التغريد المنفعل أو الفسبكة غير المنضبطة في كل لحظة.
 
أخيرًا، اللافت خلال هذه "اللحظة" أيضاً صدور "بيان تضامني" من سلطنة عمان له دلالته وأهميته، من حيث إعلان "تأييد" السلطنة للإمارات "فيما تتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنها واستقرارها".. مع الثبات العماني على "موقف رفض العنف واستهداف المدنيين". وكونه لم يظهر تحفظ على قرار الجامعة العربية الأخير بشأن مطالبة كافة الدول بتصنيف الجماعة الإرهابية، يتحقق الإجماع العربي الأعلى دويًا من "الصرخة الاستنكارية" لتأييد حق الرد على أي عمل إرهابي، دون أن تطوى دعوات ومبادرات #السلام_لليمن عمن يسير إليه مدركاً حجمه اليمني الطبيعي.