هنا باب المندب.. لا "ولاية" ولا "سلالة" بل يمن ووطن

05:45 2023/06/13

خرجنا صباحاً من المخا نقصد المراكز الصيفية في ذو باب وباب المندب، بتوجيهات القائد، الذي يشدد ويشرف ويجهد روحه لأجل هذه الفكرة الوطنية وصالح النشء الوطني، ومررنا بثلاثة مراكز صيفية متوزعة بين واحجة وقلب ذو باب ثم باب المندب، وكنت صحبة الشيخ وعضو مجلس النواب، إبراهيم المزلم رئيس دائرة الشباب في المكتب السياسي، وشخصيات كثيرة، نريد أن نلمس الفكرة المثلى. 
في واحجة كنت قبالة الأطفال الذين يهتفون بالروح بالدم تفديك يا يمن، ثلاث مرات، وأكثر، ومن أعينهم تتشكل هذه البلاد، الشامخة..
 
صيحات الأطفال تشعرني بحجم تفريطنا بهذه البلاد وبهؤلاء صغار العمر كبار الفكرة سنستعيد البلاد، بلادنا المكورثة بالمليشيات..
لا صوت يعلو فوق صوت الفداء لليمن. 
لا ولاية بل يمن.. لا سلالة بل وطن.. لا إمامة بل ديمقراطية.
 
وطيلة الطريق الطويل بخط ساحلي يمارس الجري سبقاً للبحر، من يسبق الآخر؟ الخط أم البحر؟ لا أحد.. طيلة الطريق كنت أفكر بهذه المتاعب ونحن نجري خلف أثر نبيل نجاهد لغرسه في ذهنية الصغار ولمتني ابتسامة لطيفة أن القضايا الكبيرة لا بد وأن تعجن بالمتاعب هذه، والمتاعب لذة النصر، البهيج.
 
شاهدت في ذو باب المئات من الأطفال، غالبية الحضور فتيات، وأعجبتني هذه، قلت لإبراهيم المزلم: هذا أفضل ما لمسته من هذه الزيارة، فالفتيات هن كل شيء، التأثير الحقيقي، وتسابقهن على هذا الحضور الصيفي يجعلني أتفاءل بالقادم الماجد، فإذا تعالت المرأة بالذهنية الوطنية تحصن المجتمع، أكثر من لو كان ذلك للرجل. 
وفي ذو باب رأيت اليمن، رأيت تاريخ النضال، سألت أحدهم من هو الحوثي؟ فأجابني الجميع في الصف الصيفي بصوت واحد: العدو.
 
نساء يعلمن الصغار، تأملت خطهن على السبورة متقن بشكل خرافي، لغة، رياضيات، علوم قرآن، فيزياء، وعلوم شتى، وكذلك دروس في الوطنية، والتسامح، والحفاظ على المبادئ السامية، مبادئ الشرع السماوي والتشريع الإنساني، حول العالم، بهوى الحرب والسلام.
 
قد يقول أحدكم تعلمونهم الحزبية الوطنية، وهذا غلط، فالفكرة هي العليا، فكرة البلاد كلها، الشعور الوطني الجامع للناس، بلا حزبية، ولسنا من يعلمهم، الكادر التعليمي في المديريات من يفعل، الناس بأنفسهم نساء كل بلدة وما نحن إلا نرسم خطوط المراكز العريضة، دعم هذه المراكز، ترتيبها، منحها كل شيء، توجيهها التوجيه الوطني الكامل، والكمال لله، لكن هذا هو جهد المقل من مقاومة تسيل الدم والعمر.
 
سألت أحدهم في ذو باب.. ما اسمك؟ أجابني: طارق.. حدثته باستلهام ملفت، هل تعرف العميد طارق؟ أجابني: الرئيس، رددت عليه، هو القائد، وأنت اسمك من اسمه، هل تحلم أن تكون مثله ذات يوم فتغير لونه، كمن يعتقد هذا لن يحدث، فقلت له: ستكون يا صديقي الصغير، ستكون، اجتهد بهذه المراكز، وربما ستكون أكبر وأكثر منه، ولمست بمحياه ابتسامة لطيفة، تعبر عن الشكر والامتنان والمعنوية.
 
في المندب وجدت بناتاً صغاراً يتعلمن الخياطة، يااااه، تسابقن في الصف لإبراز ما قمن بتجربته على الورق، وإحداهن صنعت فستاناً من الورق، والمرء يصنع ما ينقصه، شعرت بغبطة البنات الصغار وخطرت ببالي فكرة أن أشترى لها فستاناً جميلاً كهدية مني، ولا أعلم تحتاجه والعكس ربما، لكن هذا تعبيري اللطيف ذات يوم، سأفعلها وببهجة.
 
عند وصولنا هناك، باب المندب، باب كل شيء، وجدنا الصغار يستقبلوننا، في الباحة، بمسرحيتين، ونشيد، فالأولى مجموعة أطفال توزعوا بين كهنوتي يزرع الألغام، مار سقط بلغم، منقذ وخبير ألغام وأطباء، أتى الأول وحدد مكان ألغام، حددها بلوح بيده، وزرعه في المكان، وأقبل أطفال يسعفون الضحية، ثم أتى طفل آخر ينزع اللغم..
ياااه.. هؤلاء الصغار يعبرون عن مأساة هذه البلاد بالكهنوت، خرائط الموت تقتل الآلاف، والصغار يحلمون بمسرحية بكيفية إنقاذ الناس..
إلى المسرحية الثانية، قناص كهنوتي يصيب امرأة كانت تجلب الماء، تسقط الفتاة مؤدية دور الضحية، يظهر جندي في المقاومة الوطنية برتبة نقيب، يسكت القناص، وبطلقة واحدة يقتله، ويستقد.
والنشيد الأخير كان صيحة الصغار برددي أيتها الدنيا، واختتمنا هذه الزيارة على قشعريرة النشيد، النشيد الذي نرفعه فوق كل خافقة.
 
لدائرة الشباب امتنان الجميع، وهذه المعركة، وللشيخ المزلم الحركي سريع الخطى، الذي يقضي وقته بين المراكز، خالص التحية ومن حيس إلى مريس، ومن باب المندب إلى باب الكبير في تعز تتفانى الجهات شكراً وتثميناً للعميد طارق، من يمنح روحه لأجل النشء.