الأئمة أول من قنن جريمة أخذ الرهائن في اليمن 2-2

12:00 2020/09/10

لقد قلنا إن أخـذ الرهـائن، لأي سبب أو غـرض مهما كـان، أمر غير مقبول في القانون الدولي الذي يعد ذلك سلوكا يرتقي إلى مستوى جرايم الحرب، سواء أخذ الشخص رهينة في أوقات الحرب أو أوقات السلم، وهذا الذي نقوله ليس إسقاط القانون الدولي بأثر رجعي، إذ قد يقول البعض إن القانون الدولي جاء بعد سقوط نظام الإمامة في اليمن.
 
والحقيقة غير ذلك، فاتفاقيات جنيف(وهي أساس القانون الإنساني الدولي) ظهرت بداية من العام 1945 تقريبا، وهي تجرم أخذ الرهائن حتى في زمن الحرب.. ثم أن أخذ الرهائن سلوك مشين ومهين للآدمية، وغير إنساني كونه انتهاك صريح وصارخ لحقوق الإنسان، ويتعارض من المبادئ الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الانسان التي توجب احترام كرامة الإنسان وحريته وحقه في الأمن والحياة.. والمعروف أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر ديسمبر1948، وفي ذلك الوقت كان الإمام يحيى حميد الدين يحتجز نحو أربعة آلاف طفل ويافع يمني رهائن، واستمر الامام الجديد أحمد بن يحيى على نفس النهج حتى عشية 19 سبتمبر1962 ضاربا عرض الحائط بالقانون الدولي الإنساني، والاعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك تجاوز هو وأبوه شريعة الإسلام التي لا تجيز تحميل الأبرياء أوزار غيرهم، فما بالكم عندما يؤخذ طفل يمني من والديه بظن التمرد المحتمل!! ولإتمام القول في نظام الرهائن، نشير إلى أن هناك عمل أدبي من المستوى الرفيع صور حال الرهائن الذي كان يعتقد أنهم محظوظين، وهم الذين كانوا ينقلون من السجون إلى قصور الإمام وأعوانه للقيام بالخدمة.. وهذا العمل الأدبي هو رواية الرهينة لزيد مطيع دماج.. كاتب هذه السطور عرف الرواية مرتين: مرة في منتصف ثمانينيات القرن العشرين عبر المذياع، حيث حولت إذاعة عدن رواية الرهينة إلى مسلسل إذاعي، وكان الكاتب يحرص على استماع حلقاته اليومية باهتمام.. كان عملا دراميا مثيرا ومشوقا، بفعل مهارة المنتج والمخرج الإذاعي جمال عبد الحميد، وأداء الممثلين والممثلات، والمقدمة المذهلة بكلماتها ولحنها وصوت الفنانة الحزين: شلوك وبزوك يا رهينة قدام عيني، وكيف سووا يا رهينة ينور عيني.. أما المرة الثانية فكانت قبل عشرين سنة تقريبا، وهذه المرة طالع الكاتب الرواية مطالعة دقيقة. نشر زيد روايته المشهورة هذه في العام 1984، فترجمت من العربية إلى ست لغات أجنبية هي الانجليزية والروسية والفرنسية والألمانية والهندية والصربية.. وقد صدر منها حتى الأن ست طبعات من دور نشر يمنية ولبنانية ومصرية وعراقية وفرنسية، كما أصدرتها منظمة اليونسكو في مشروع كتاب في جريدة.. ويقال إن مجموع ما طبع منها ثلاثة ملايين نسخة، ولو صح هذا فأن لا سابقة له في التآليف العربية. رواية الرهينة - باختصار شديد، وأي خطأ فمن عندي- تكشف أساليب أسرة حميد الدين التي حكمت شمال اليمن، في التعامل مع المعارضين المحتملين، ومع الرهائن، ومع الرعية، وتصور جوانب من الانحلال الخلقي في قصور الأسرة الحاكمة.. وتفضح ما يحدث داخل قصر نائب الأمام يحيى في تعز. كانت الأسرة الحاكمة تختار بعض الرهائن حسني المظهر الجميلين غير البالغين للخدمة في القصور وخاصة خدمة نساء الإمام ونائبه وزوجات الأمراء، ولكي يأمن الإمام من حدوث أي علاقات جنسية كان الاختيار يقع على اليافعين، وقيل إنه كان يخصي الرهائن- الخدام.. يطلق على الواحد منهم اسم دويدار. يأتي عسكر الإمام برهينة- دويدار من قلعة القاهرة إلى قصر نائب الإمام، فيستقبله دويدار سبقه إلى الخدمة في القصر.. تعارفا، وقام الدويدار الأول بتعريف الدويدار الجديد بغرف القصر وحجرة نائب الإمام، ويعرفه بنساء القصر، وكان من بينهن أميرة ثرية بارعة الجمال تدعى الشريفة حفصة، وهي أخت نائب الإمام، وكانت مطلقة.. يذهل الدويدار الجديد من العيش الرغيد.. ويلفت انتباهه تطلع نساء وبنات الأمراء للحديث مع ذكور وميلهن لمصادقتهم، حتى لو كانوا دوادره.. أثناء خدمته خبر الدويدار الجديد في قصر نائب الإمام مواقف مثيرة ومريعة.. أميرة كبيرة في السن تمارس الجنس مع ولد صغير.. طبشي(سائس البغال) ينزو على بغلة تسمى الزعفرانة.. وذكر راشد يمارس الشذوذ الجنسي مع ذكر قاصر! هذا الدويدار نفسه كان موضع غزل، لكنه حافظ على عفته، أمام المغريات الجنسية، فقد أحبته الشريفة حفصة، ومرارا حاولت إقامة علاقة حميمة بينها وبينه.. لقد كان جميلا، وكانت هي تقول له ذلك أيضا: أنت حالي قبل أن تكون دويدار.. وبدوره أحبها، لكنه لم يتنازل عن عفته ولا عن كرامته.. كان صديقه الدويدار الذي سبقه قد وقع في مكايد النساء حتى أنهك، لذلك نصحه ويحذره من الوقوع في ما وقع فيه. في النهاية تتدهور صحة الدويدار السابق جراء الاصابة بداء السل، ويمرض فيترك دون رعاية، بل اعتزله أهل القصر بما في ذلك الأميرات اللواتي طالما تبادلن متعة الجنس معه، ثم مات وشيع قبل غروب الشمس إلى المقبرة، ولم يسر في جنازته سوى صديقه الدويدار الحالي والشريفة حفصة وبعض النساء.. بعد اتمام الدفن بقي الدويدار الحالي في المقبرة وبجانبه الشريفة التي كانت تعرف أنه يتحين فرصة للهرب، وفي المقبرة عرضت الهرب معه، فقاوم ذلك، وهرب منفردا على الرغم من أنه كان قد تعلق بها كما تعلقت هي به. لقد بدأ التفكير بالهرب بعد أن رأي صنوف المظالم والفواحش في قصر الحاكم، ثم وجد صديقه الدويدوار الذي سبقه دون عناية طبية خلال فترة مرضه، حيث أهمل حتى مات بعد أن قضى سنوات في الخدمة داخل القصر .. وكان أهل القصر يزدرون البسطاء، بما في ذلك الدوادره الذين يخدمونهم ليلا ونهارا.. حتى الشريفة حفصة التي أحبت الدويدار الحالي كانت تتعالى على الدوادره.. وهذا يفهم من الحوار الذي دار بينها وبين الدويدار: ألست مرتاحاً هنا؟ فأجاب: نوعاً ما.. ماذا تريد أكثر من هذا؟ أريد أن أشم الهواء النقي، أن أشعر بأنني حر.. أنت رهينة مولانا الإمام.. ولكني لست عبداً!.. أنت دويدار! لكني لست دويدار حالي. أخيرا تمكن الدويدار الحالي من الهرب وتحول إلى ناقم على الحكم الإمامي، ورفض أن يحمل معه أي شيء يتعلق بهذا الحكم، حتى لو كان هذا الشيء أميرة ثرية وجميلة ومتحببة له مثل الشريفة حفصة. بقي أن نسجل ملاحظتين: الأولى، أن الأسرة الإمامية المتوكلية التي حكمت اليمن والتي طالما تعالت على بقية الناس بذريعة نسبها الهاشمي، حرمت بناتها وبنات الهاشميين من الزواج بمن أحببنهم، بدعوى تدني أنسابهم ومواقعهم الاجتماعية، فجاءت رواية الرهينة لتزيح الستار الذي كان يسدل على نتائج الحرمان من الزواج بسبب التمييز وعدم المساواة بين اليمنيين.. لقد وجد الكبت الجنسي الأنثوي اشكالا وحيلا شتى للتعبير عن نفسه حتى داخل قصر الإمام. الثانية، أن بعض المثقفين يعتقدون إن زيد مطيع دماج كان رهينة، وأنه هو نفسه الدويدار بطل الرواية، وهو اعتقاد خطأ، إذ أن الرواية تتناول وقائع تعود فترتها الزمنية إلى العام 1948، وحينها كان زيد في نحو السنة الخامسة من عمره تقريبا، لكن المؤكد أن والده مطيع عبد الله دماج كان رهينة في قصر نافع بحجة في تلك الفترة.
 
*(المقالات التي تنشر تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع)