مسيرة الموت العبثي وزيف فكرة الحق الإلهي!

05:31 2020/12/07

إن الحكم بما يسمى استحقاق الحق الإلهي يقتضي في أنساقه إنهاء الفصل الحقيقي بين العقائد الخاصة و الممارسة العامة فنجد خطاب أدبياته يترك ما هو ديني الأعماق الداخلية للإنسان و يقتحم كل فضاءات الحياة الاجتماعية و بذلك تنتفي العلاقات المباشرة مع الله لحاجات شخصية ضمن سجل الحميمية الروحية بل تصير العلاقة في مجملها علاقة غير مباشرة تتوسط العقد فيها الطائفة السياسية و زمرة المنتفعين و يكون وجودهما على مستوى محكومية الغير و تلك نهاية الدين للذات و بروز التدين السياسي للغير . 
 
و كل حكم يستند على فكرة الحق الإلهي و الاستحقاق على حساب الآخرين " الفكر الحوثي / مثلا " إنما يحيل عبر مظاهر اغتصابه المتكررة على نموذج خارج الزمن و خارج المكان و هو إنما يتغيا ضمن زمن التاريخ الملموس و ضمن فضاء ملازم إعادة إنتاج النموذج المكرر و محاكاة حياة الكهف عبر طريقة النسخ و اللصق و تكرار قوالب جاهزة مستوردة عبر بيئات مختلفة لا تتوافق مع البيئة اليمنية . 
 
إن مسيرة الموت العبثي هذه القائمة على زيف فكرة الحق الإلهي تجتر الوجود اليوم و العالم لتنتج نموذجي : الشهيد و الجنة ... يشتغل الأول كنموذج لبديل الإنسان و كرامته و الثاني كبديل للعالم و حق الحياة و في ذلك ما يشكل وعي الناس الزائف عبر دعوتهم لكره وضعهم و ازدراء واقعهم من أجل التطلع إلى جوهر آخر ثم إلى وجود آخر ففكرة الشهيد تحضر حضورا رمزيا يخدم دلالة انتفاء حاجة الإنسان / الآخر فوق الأرض و فضاء الجنة المزعوم يشهد على نفي تام للمكان و تجاوز عبثي للزمان و هو ما يعزز و يعمق فكرة الموت في الذهنية الجمعية للعوام و الحمقى . 
 
إن افتتان مسيرة الاغتصاب الحوثي بنزعة الموت لإرساء إدعاء زائف يقول بمبدأ الحق الإلهي يمكن تفسيره كالتالي :
 
- إن هذه النزعة الفاشية المتعطشة لسفك الدماء إنما تنتج عن تقديس للموت على حساب الحياة و خشية العدم و الذهول أمام الفراغ و غطاء واه يكشف انعدام المشروع الذي يقدس الحياة في قفز على نصوص قرآنية " استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم " في تمويه يسمح للشذوذ بامتلاك سلطات مطلقة فالواقع لا وجود له بعكس الخرافة و المخيال الذي يوجد بحق إلهي فهذا العالم الخيال المزيف الذي يساعد على العيش هنا و الآن باسم عالم زهيد الثمن يقود بمنهجية خبيثة إلى احتقار الحياة .
 
و من ثم تتوالى المناسبات و الظواهر المتعددة و الفعاليات الدينية التي تؤكد لنا رؤية هذا الموت فعلا في الجسم و امتهانه و الأهواء و الميول و المواقف و العلاقة مع المرأة و انتهاك خصوصيتها و قتل الطفولة الآمنة و فعلا في الحياة بكل اشكالها و في كل ما ينمي الوجود في هذا العالم الدنيوي و اتخاذ مواقف مصادرة و إقصائية من العقل و الذكاء و الكتاب و العلم و المعلم و الثقافة و الفنون باستثناء شعر الحماسة لأنه يحرض على الموت و الشعوبية .
 
فهذا القمع و المصادرة و هذا الكبت لكل ما يحيا و لكل ما يمت بصلة للحياة يقود عبر سرداب سري و فعل مؤدلج للاحتفاء بكل ما يموت : الاحتفاء بالدم و الحرب و بكل ما يقتل و يحتفي في المقابل بكل من يقتلون و يدنسون الحياة و تقديم لكل من يريد نزعة الموت في كل صيغها كما هو إرادة مبطنة لتحويل اليمن إلى مقبرة كبيرة من شمال الشمال إلى أبعد نقطة في سواحل الجنوب اليمني الأصيل .