جهاد المخدرات!

02:16 2020/12/16

استبشع كثيرون جهاد النكاح، أو نكاح الجهاد، لكنهم لم يستبشعوا تجارة الجماعات الإسلامية بمختلف أصناف المخدرات التي تحرمها شريعة الإسلام، وتجرمها القوانين في جميع البلدان تقريباً، بسبب ضررها الجسيم في الصحة العامة، والحياة الاجتماعية، وضرب اقتصادات الدول..
 
يأتي تنظيم القاعدة، وتنظيم دولة الخلافة الإسلامية (داعش)، وحزب الله في لبنان، في رأس قائمة الجماعات والتنظيمات الإسلامية التي تتاجر بالهيروين، والكوكائين، الأميفتامين، والماريجوانا، والكيتامين، والكابتاجون.. ولم يتلوث الإسلام ومصطلح الجهاد في أي عصر من العصور، ولا في كلها قاطبة، كما تلوثا في هذا العصر بسلوك الجماعات الإرهابية المشين، إذ كيف يستقيم الجهاد وأضداده، أو كيف يستقيم مثل هذا السلوك مع ما يسمى العمل الإسلامي، الذي يراد به وجه الله، وإقامة خلافة إسلامية، وإعمال الحاكمية الإلهية؟
 
حزب الله في لبنان يمول جزءاً كبيراً من نشاطاته، وعملياته العسكرية والأمنية، من عائدات الاستثمار في التجارة بالهيروين والماريجوانا، والكوكائين، وللحزب إسهام كبير في ازدهار هذه التجارة في دول أميركا الجنوبية، لجهة الاستثمار في الممنوعات وعائداته التي تنافس قيمة مبيعات الأسلحة.. وإذا كان حزب الله في لبنان يتاجر بها ويكسب، ولا يعرض حتى اليوم مخرجاً شرعياً لهذه التجارة المحرمة والمجرمة، فإن لدى تنظيمي القاعدة وداعش مسوغهما الذي يضفيان عليه مسحة شرعية- إسلامية، وهو إننا لكي نحكم ونمكن حكومة الله في الأرض، نحتاج إلى المال، فإن عز علينا الحصول عليه كيف ما اتفق، لأن الضرورة قد فرضت علينا الحصول عليه بأي وسيلة، وإن لم يفهم المسلمون في الدنيا لماذا فعلنا ذلك، فإن الله سوف يخبرهم يوم القيامة فيعذرونا.
 
إن تحليل هذه التجارة المحرمة يدور حول فكرة أساسية هي الحكم، ولا يختلف عن هذا قول القيادي الإصلاحي المهندس عبد الله صعتر بشأن وجوب قتل معظم اليمنيين، وقد كان جاداً عندما ظهر في قناة تلفزيونية ليقول: ليهلك الشعب اليمني، فلا يبقى منه سوى الصالحين، وإن نزل عددهم إلى مليون نسمة لا غير فهذا يكفي.. إن هذا العدد هو عدد الإصلاحيين الذين تقوم بهم ولهم حكومة حزب الإصلاح.
 
لقد كان أسامة بن لادن يفلسف اتجار تنظيم القاعدة بالمخدرات في أفغانستان وخارجها، فلسفة شرعية عجيبة، تجعل هذه المخدرات وسيلة تخدم العمل الإسلامي والإسلام، وتضرب الكفار ضربتين متلازمتين: نزرع النباتات التي تستخرج منها المخدرات، ثم نبيع هذه المخدرات للكفار، فتتحقق لنا مصلحتان، هما أخذ أموالهم، ثم إفساد شبابهم ومجتمعاتهم، ومن أموالهم تلك نشتري السلاح الذي نقتلهم به، ومن أموالهم أيضاً ننفق على المجاهدين ولوازم الجهاد.. وقد أخذ تنظيم داعش بهذه الفلسفة على الرغم من استقلاله النسبي عن تنظيم القاعدة.. كلا التنظيمين يزود أعضاءه بمخدرات مثل حبوب الكابتاجون، لجعلهم يشعرون بالراحة، ويتملكهم روح الإقدام على الجرائم دون تردد، وكلا التنظيمين يتاجر بالمخدرات لتحقيق مكاسب مالية كبيرة وسريعة تلبي احتياجاته.. كان تنظيم القاعدة يزرع ويشجع المزارعين على زراعة نبات الخشخاش أو القنب في الأراضي التي يديرها ببلاد الأفغان، ويستخلص منها خبراؤه أصنافاً من المخدرات، وتجهيزها للبيع ونقلها إلى بلدان الجوار، وجنى التنظيم أموالاً هائلة من هذه التجارة.. وبالمثل فعل وما يزال يفعل تنظيم دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، حيث اتخذ من الأراضي السورية التي سيطر عليها مكاناً آمناً لزرع وصنع المخدرات، وأضحت سوريا اليوم -حسب التقارير الدولية- أكبر منتج لحبوب الكابتاجون المخدرة، وفي أحدث عملية تم اكتشافها حاول التنظيم إدخال أربعة عشر طناً من حبوب الكابتاغون إلى دول القارة الأوروبية بحاويات تحتوي كميات من مواد ورقية وإطارات مركبات للتمويه، واختار التنظيم هذه الفترة التي تعتبر ذهبية نظراً لشحة المخدرات في الأسواق الأوروبية بسبب القيود التي فرضتها الدول الأوروبية على تعاطي المخدرات بسبب فايروس كورونا.. لقد تمكن التنظيم من تعبئة ونقل مخدرات قيمتها مليار ومائة مليون دولار أميركي، من مناطق سيطرته في سوريا إلى ميناء ساليرنو الإيطالي، لكن شرطة الجمارك اكتشفت الحيلة فضبطت تلك الكمية.. فكم هي الحيل التي مرر بها التنظيم مخدراته إلى بلدان أوروبية، أو عربية أو غير عربية أخرى دون اكتشافها؟ خاصة وأن تنظيم الخلافة لا يعمل في تجارة كهذه لوحده، بل هو مثل حزب الله الذي يتاجر بالمخدرات مع جماعات إجرامية أخرى إسلامية وغير إسلامية.