حكومة تسر الفاسدين

09:05 2021/01/21

لا عجب أن تتربع اليمن على كرسي الفساد العالمي سنة بعد سنة، وفي آخرها جاءت مع الصومال وسوريا والسودان وليبيا في مقدمة عشر دول اعتبرت الأكثر فساداً في العالم، حسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2020.. ونقول لا عجب في ذلك، لأن الفساد متجذر في الحكومة اليمنية ويترعرع في كل بيئة من بيئاتها، وإذا فضح كاتب حالة فساد في بيئة حكومية، ظهر الفاسد يهاجم الصحافة بجريرة أنها تنشر غسيلاً قذراً.. ولاحظوا كيف تنحدر القيم نحو الأسفل، فبدلاً من الإبقاء على الغسيل نظيفاً دائماً، يقال لك: أخف الغسيل الوسخ، لا تنشره.. كم دالت حكومات وبقى الفساد علامة مميزة للسابق منها واللاحق.. ويأمل المواطن في الجديدة قدرة ورغبة في قطع عرق من عروقه، فتأتي لتزوده بزاد إضافي وتوسع انتشاره، وتخلق له بيئات جديدة، وتغيب أدوات ووسائل الشفافية والمساءلة.
 
كم عدد المسئولين الفاسدين في اليمن؟ لا ندري.. مع ذلك يبقى العددُ قليلاً قياساً إلى عدد الضحايا، وإلى إجمالي عدد المسئولين العموميين.. فمن جملة هؤلاء المسؤولين لا تتوافر فرص الفساد إلا لعدد قليل منهم، لكن هذا القليل يلتهم من المال العام الكثير، الكثير، وثلاثة أو عشرة فاسدين يمكنهم خلق أزمة اقتصادية عامة في يومين، والتسبب في انهيار عملة بلد، كما في حالة البنك المركزي اليمني للشرعية!
 
ولسنا نتفق مع الذين يزعمون أن الفساد ثقافة، والذين تجري على ألسنتهم قولة: ثقافة الفساد، فهو ليس ثقافة، كما أن الفقر ليس سبباً من أسبابه، بل هو سبب رئيس للفقر، خاصة في اليمن، لأن المسئولين الفاسدين لا يستغلون وظائفهم العامة لنهب المال العام فحسب، بل زيادة على ذلك يصادرون رواتب الموظفين والجنود، كما يحدث منذ ست سنوات متواصلة.
.
.
أرادت الحكومة ذات مرة حماية أراضي الأوقاف من ناهبي الأرض، فعمدت إلى لوحات كبيرة كتبت عليها أدعية تتوعد من يأخذ شبراً بطوق في جهنم من سبع أرضين، ومع ذلك استمر نهب الأراضي الموقوفة.. كذلك تريد الحكومة مكافحة الفساد بخطب ومواعظ المرشدين الحكوميين المرتجلين، ولو تحسن هؤلاء قليلاً فتشوا في الكتب القديمة عن أمثلة، هي أصلاً شحيحة.. يسوقون في هذا المجال حكاية الحاكم الأموي سليمان بن عبد الملك، وموسى بن نصير الذي ينسب إليه فتح بلاد الأندلس.. تقول الحكاية إن هذا الفاتح استغل نفوذه لجني أموال غير مشروعة (غنائم- ضرائب- غنائم)، فطلبه حاكم دولة بني أميه، فساءله وعذبه، وصادر ما في يديه، حتى أصبح يتسول اللقمة، ثم مات غريباً بوادي القرى! وحكاية كهذه -إن صحت- لا تؤذي مشاعر فاسد في هذه الأيام، عوضاً عن زجره وردعه.. وإنما الزاجر الرادع هو العصا والقانون، كما يفعل العالم من حولنا، حتى في قضية فساد لا تتسبب في جوع آدمي، فهذا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يُقاد في كل أسبوع مرة إلى حضرة القضاء للمساءلة حول قضية اشتباه! بتلقيه أموالاً من رئيس دولة عربية، لتمويل حملته الانتخابية في العام 2007، وما يزال المحققون يلاحقون رئيس الوزراء اليهودي ابن اليهودي بنيامين نتنياهو إلى اليوم بشبهة حصوله من أصدقاء أثرياء على سيجار وخمور فاخرة وهدايا أخرى، وأنه سهل لمالك صحيفة يديعوت أحرونوت الحصول على مكاسب من المال العام مقابل نشر أخبار تحسن صورته في عيون الناخبين.
 
على أنه ليس ينافس العرب أحد في تسويق المثل الشعبي القائل حاميها حراميها، يردده الرجل والمرأة والرئيس والمرؤوس، العاطل وعابر السبيل، وجعل عنوان لمسرحيات ومسلسلات تلفزيونية، ومقالات وأخبار وقصص وحكايات.. والمفارقة أن هذه الأعمال الفنية وتلك المقولات غرضها التشنيع على من يخونون أماناتهم ومسؤولياتهم، بينما ما ليس بفن، أن الوزير يختلس من خزنة الدولة، والشرطي ينهب الناس، والرئيس يختار للوظائف العليا نهابة، بل إن مسئولين في هيئات مكافحة الفساد يفسدون، بما في ذلك تلقي رشى للتعمية عن فاسدين وهم في منعة قانونية.. وفي أفقع حالة، عيّن رئيس إحدى الدول نائباً عاماً للجمهورية، متهماً بنهب أكثر من مائة وثمانين مليوناً، هي في الأصل مرتبات جنود وضباط شرطة كانوا تحت إمرته قبل رفعه إلى المنصب العالي، وبلغت قلة الحياء عند هذا درجة أن يؤدي اليمين الدستورية وفي جوفه 180 مليون حرام، بينما اضطر النائب العام في دولة كافرة! للاستقالة بعد كشف تواطؤه مع فاسد مقابل الحصول على مصلحة نظيفة!