عن السباعي والتطبيع والرفاق

06:07 2021/03/21

في منتصف سبعينيات القرن العشرين كنت أسمع من الرفاق في مجالس السر، قدحاً وذماً للصحافي والأديب المصري يوسف السباعي، الذي عينه الرئيس السادات وزيراً للثقافة، واختاره الصحافيون نقيباً لهم، قال عنه الرفاق: عدو الشيوعيين.. ليبرالي.. يميني.. انتهازي.. وقصص وروايات السباعي التي سمع بها صهرنا الرفيق ميكانيكي السيارات شبه الأمي، ومثله سمع بها ولم يقرأها بقية الرفاق هي مثالية، ديماجوجية، وهلم جرا، من المصطلحات التي سمعوا بها، وما عرفنا معانيها إلا بعد نحو عشرة أعوام، وإلى اليوم لا يعرف الرفاق إياهم معنى ديماجوجي ولا يفرقون بين لفظتي مثالية ومثلية.
 
في إجازة منتصف العام الدراسي 1978، وذات عشية كنا نستمع نشرة الأخبار بصوت العيزري.. وفي الأخبار الخارجية: اغتيل وزير الثقافة المصري يوسف السباعي في قبرص برصاص أطلقها فلسطينيان اثنان ينتميان إلى منظمة أبي نضال عقاباً على تأييده مبادرة سلام مع الكيان الصهيوني تبناها الرئيس المصري محمد أنور السادات.
 
كان يوسف السباعي موجوداً في قبرص لتمثيل مصر في مؤتمر مجموعة التضامن الأفرو- أسيوي.. انتهزت الجماعة الفلسطينية المتطرفة وجوده في قبرص، فكلفت اثنين من أعضائها باغتياله.. وبعد ذلك ارتهن القاتلان أعضاء وفود عدد من الدول المشاركة، وحبسوهم في أحد الفنادق، وطالبا حكومة قبرص تجهيز طائرة لنقلهما خارج قبرص مقابل عدم قتل الرهائن.. استجابت الحكومة القبرصية لطلبهما.. وهذا ما أغضب الرئيس المصري محمد أنور السادات، فكان رد فعله أن أمر بتجهيز مجموعة من رجال الكوماندوز، ركبوا طائرة من مطار القاهرة إلى مطار لارنكا القبرصي بغرض اعتقال القاتلين.. كانت العملية سرية، حتى إن حكومة قبرص لم تخبر بها، ولعلها لو علمت ما كانت لتوافق عليها.. نزل الكوماندوز المصري أرض المطار فوقعت بينهم وبين قوات عسكرية قبرصية حرب.. حرب حقيقية لكنها ليست كبرى.. إذ قتل من الطرفين عدد لا بأس به، ومع ذلك قررت مصر قطع علاقاتها السياسية مع قبرص.. كنا نستمع ونقرأ ونخشع لهذه الكبرياء العربية، لكننا حينها -والصراحة راحة- لم نجرؤ على قطع علاقتنا التنظيمية برفاق يجهلون ما يدركه الجهول، بينما سحب الحكام العرب سفراءهم من مصر، ونقلوا الجامعة العربية في العام 1979من القاهرة إلى تونس واختاروا الشاذلي القليبي أميناً عاماً لها، بينما تفرغ سلفه محمد رياض لكتابة مذكراته.. وإلى جانب عزل مصر عربياً، وسلب الجامعة العربية منها، ونقلها من القاهرة لأول مرة، شكل جماعة من الحكام العرب ما عرف بجبهة الصمود والتصدي، وكانت بلا صمود، لكنها زادت في التصدي لمصر إمعاناً في عزلها، كل تلك الخسارة الكبرى، لأن السادات تصالح مع مناحيم بيجن.. وبعد فوت الفرصة ظهر لهم الآن أنه كان أحكم منهم وأبصر.