في زمن المليشيات.. أطفال اليمن وقود حروب الحوثي العبثية – "تحقيق إستقصائي"

  • الساحل الغربي - خاص
  • 12:00 2020/05/10

خاص/ منبر المقاومة – تحقيق/ عبدالصمد القاضي:تتلخص معاناة المجتمع برمته بفقدان بسمة الأطفال وبشاشة وجوههم الغارقة بالبراءه والبر على حد سواء، فئة الأطفال سلبت قدراتهم وانحرفت طموحاتهم بفعل مليشيات دمرت الحاضر والمستقبل، وليس بجديد ظاهرة تجنيد الأطفال في صفوف المليشيات الحوثية التى ظلت تمارس التظليل الفكري وتلويث عقول الاطفال منذ تأسيس تلك المليشيات في ثمانينات القرن الماضي، لكنها أضحت أكثر خطورة بعد سيطرتها على مفاصل أساسية بالمجتمع واحتلالها لعدد كبير من المحافظات، ومؤسسات الدولة لتتخذ من القطاع التعليمي، وسيلة لزرع الفكر الجهادي لدى الأطفال بتحريف المناهج الدراسية وإذاعات طابور الصباح، وعبر وسائل إعلامية تابعه للمليشيات، بات واضحاً انتهاكات المليشيات و تجنيد الأطفال والزج بهم كوقود في الحروب التى تخوضها، ضد الدولة والمجتمع.
 
فالكثير من الأسر تشكو من تجنيد المليشيات لاطفالها، تحت مبررات مختلفة وأغلبهم يتم أخذهم إجباري من منازلهم أو من المدارس والبعض يذهب إلى الموت متأثراً بالتلوث الفكري السائد على مستوى المجتمع أو على مستوى الأسرة والمدرسة نتيجة التعبئة الطائفية وسمومها على قلب صغير لم يتحمل خرافات الواقع وما يحدث حوله. شهاب بدر محمد (13 عاماً) الطفل الناجي من أسرة ذاق معظم أفرادها الموت و من تبقى منهم تجرعوا علقم الحياة، ببراءة طفولية يروي لـ "منبر المقاومة" تفاصيل التحاقه بالمليشيات قائلاً: لم تعد للحياة قيمة، في ظل حكم مليشيات الموت وسيطرتها على قريتنا وكل من حولنا في غضون أسبوع واحد من دخول المليشيات إلى قريتنا (الشريف بمديرية شرعب السلام) وزعت ملازم جهادية على كل منزل وهيجت كم كبير من كل الأسر للانظام لمليشياتهم وأعطوهم أسلحة وذخائر وبزة عسكرية، بعدها كنت أتمنى لبس ذلك الميري أو امتلك سلاح الآلي. ويتواصل: المحاضرات لم تتوقف في ديواننا، كان أحد أعمامي قد أصبح متحوث معهم لا ادري مالذي سكن عقله بعد مكوثه في مدينة الحوبان لمدة شهر ولم أكن أصدق عن شيء يسمى - غسيل دماغ - حتى عاد إلينا عمي بشكل مختلف ولهجة مغايرة يحثنا على القتال والذهاب إلى الجبهات لمقاتلة الدواعش لكن أمي رفضت أن أذهب إلى الموت، لقد عاشت صدمة سابقة بمقتل خالي في إحدى نقاط عسكرية تابعه للمليشيات وعلى أيادي أحد الحوثيين كان خالي أحد ضحايا الاستغلال المعيشي ، ذهب إليهم حسب اتفاقهم بأن يكون في مهمة أخذ الضرائب بإحدى النقاط بمنطقة هجدة، استمر بالنقطة أسبوع فقط ثم جائتهم أوامر بتعزيز جبهات قتال بتعز فرفض ليضحي قتيلاً برصاص رشاش أحد الحوثيين. تمر الأيام وأرى الصغير والكبير يحملون بنادق وجعب يتهافتون ويهبون إلى محارق الموت ينجوا منهم من نجاء ويقتل آخرون، كانت المدرسة في كل خميس على موعد مع ما يسمى النفير العام والنكف القبلي، تأثرت اسرتنا بكاملها بفكرهم، حملت الملازم وحضرت الندوات ثم جلعوني على قيادة عدد من الأطفال تم استقطابنا من المدرسة، حملت السلاح ولبست البزة العسكرية، وكنت أخفي كل ذلك على أمي، وفي شهر 9 لسنة 2019 تطورت الأمور لاذهب الى جبهات القتال في منطقة مقبنة بتعز كنا أكثر من 10 أطفال يسموننا عصافير الجنة ويدفعون بنا في مقدمة الصفوف وضع على أيدينا قطع حديد عليها أرقام كثيرة يصعب علينا قرائتها، وبعد أسبوع عادوا بنا الى معسكرات تدريبهم لنكسب خبرات قتالية استمرت لمده (20 يوماً) بعدها حملونا على الأطقم إلى جبهة الصلو كتعزيز هناك، ذهبنا إلى الجبهة ليدفعوا بنا مثل كل مرة في مقدمة الصفوف، كانت المقاومة تقصف مواقعنا بكثافة دون أن يسمح لنا بالحديث أو الاعتراض ولا أحد يستطيع أن يرفض الأوامر كانت القذائف تستهدف كل من يتحرك وكأنهم يعرفون أماكننا واحدا واحد ”وقادتنا يرفضون التقدم خوفا من القصف، مات خمسة أطفال خلال أسبوعين في الجبهة التي كنت بها” في آخر يوم بالجبهة قتل طفلين معي واصبت أنا بشظايا قذيفة بساقي، اسعفوني إلى مستشفى بالحوبان مكثت فيه حتى تحسنت جراحي لأسافر إلى القرية كانت القذيفة بمثابة الصحوة بالنسبة لي، لم تصدق أمي أني مازلت على قيد الحياة، لتقرر أن نترك القرية ونستقر في مدينه تعز ويستدرك بالقول: ”الحمد لله أنني رجعت إلى أسرتي.تقول والدته والحزن يفتك قلبها: الحوثي يأخذ فلذات أكبادتنا ليذيقهم الموت وقد سلبوا روح أخي وهو في عمر الزهور وخطفوا ابني من أمامي، ابيض شعر رأسي على فراقه بضعة أشهر ليعود وقد أكل من لحمه وشرب من عقله، أضاع دراسته وشتت عقله. تضيف والدموع تعبر خدها: "شتتونا الله يشتتهم من عنده" كان شهاب يسعى أن يكون طبيباً أو محامي كحلم أبيه الذي حملني أمانة خانتها مليشيات الحوثي. ليس هذا فحسب فلقد أصيب عمه بحالة نفسية لا ندري أي صدمة حدثت له وما زال إلى الآن يعاني من حالة نفسيه وهذيان يغيب عقله لساعات وتمضي أيام لا يكلم أحد، وقد عجزنا عن علاجه. وتردف بالقول: أسرتنا قتل منها منذ 2015 تسعة أفراد بمختلف فئاتهم العمرية أخذتهم المليشيات لرفد الجبهات بالضغط على آبائهم وبالقوة، الكثير يقتلون في حرب المليشيات، يقول أحد جيرانهم كان عمر طفلا مؤدبا وذكيا، ذهب يوما إلى أحد المساجد القريبة لسماع محاضرات للحوثيين لكنه لم يعد، فقدت أسرته الأمل في عودته إلا أنه عاد بعد أسبوع وقد أصبح لقبه المجاهد ومعه حزمة من أوراق للمليشيات الحوثية وملازمهافمن لم يقتل بقذائف مليشيات الحوثي يقتل وقود في جبهات قتالهم الإجرامية ووفقاً لتقرير منظمة اليونيسف للطفولة فقد رصدت 70 ألف انتهاك للطفولة خلال الفترة من عام 2015 حتى مايو 2020 توزعت بين قتل واختطاف وتجنيد إجباري ليبلغ عدد المجندين الأطفال أكثر من عشرين ألف طفل يتم الزج بهم لرياح الموت وقائمة الشهداء حسب تصنيفهم. وفي السياق ذاته تؤكد أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة تعز نبيلة الشرجبي لـ منبر المقاومة أن الأطفال الذين يشاركون في الحروب يعيشون بقية حياتهم في صدمة نفسية، لان مشاهد الحرب التي عاشوها تظل ترافقهم في كل مراحلهم العمرية. وتضيف: لكي يتخلص الأطفال المشاركون في الحرب من آثار الصدمة النفسية لابد أن يخضعوا لعلاج نفسي يؤهلهم نفسيا حتى يعيشوا بقية حياتهم أسوياء وهذا التأهيل يكون في مراكز متخصصة. من جهته يقول علي الصراري ممثل منظمة سياج للطفولة بتعز: لا يوجد احصائيات تؤكد نسبة الأطفال المجندين مع ذلك يظل العدد كبيرا تقديرا بما يعرض من مشاهد للأطفال المجندين بواسطة إعلام الحوثيين يتحمل مسؤولية ذلك زعماء القبائل وعقال الحارات، حيث يتم عبرهم التجنيد الطوعي والاجباري للأطفال على مستوى المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي، وهذا له عواقب جسيمة سيدفع الأطفال ثمنه من مستقبلهم، ومع استمرار سيطرة المليشيات على الكثير من المحافظات تتوسع دوائرها لتجعل الأطفال أكثر عرضة للتجنيد الإجباري حيث تضعهم أمام خيار الموت الوحيد، ووضع كهذا سيكلف المستقبل كثيرا في حال استمراره حسب خبراء بالمجال الاجتماعي.
 

ذات صلة