عن بطولات تعز.. والبطولة الأوروبية !

02:03 2022/05/31

كنت أتحدث مع أحد اصدقائي لساعة كاملة عن الهدوء وفنون العزلة وعن كيفية البحث عن الروح والمضي خلف الأثر،عن الحب والحياة، تحدثنا وأستيقظت صباحاً وقررت أن أستمع لنفسي،أدون خطرات روحي، وأعيش تفاصيل الأثر الأول وأدرك بكل مداركي الخط القدسي المكتوب في عقلي الباطن والخفي،
انها الروح العالية بعيداً عن ضوضاء هذه اللحظات الضاجة والملل الذي تحول في حياتي الى مقصلة والتكرار
التكرار .
تكرار كل شيء، تكرار الأشياء والأحداث والأخبار والكلمات٩ والقضايا ..
 
أردت أن أفتح مساراً جديداً في حياتي، واهتمامات أخرى، وضحكات ودمعات تختلف عما سبق في حياتي، أردت بالمختصر اللامفيد لأحد أن أغادر .
أبتدع لنفسي الهاماً مغايراً لما سبق، أردت وأردت وأردت وكل ذلك قادني على غير العادة الى مباراة اليوم مع صديقي جابر،جابر الذي أرفض كل مرة أن أذهب معه لمشاهدة المباريات،
لم أكن أعرف أن ثمة مباراة، كنت مع جابر فأخبرني، حدثني عن نيته للذهاب الى الاستراحة لمشاهدة مباراة ريال مدريد وليفربول،
وبسرعة قلت له: سآتي معك..
 
قررت ذلك ولكأني وجدت المنقذ،بل الحبل الذي ينقذني من جب الكآبة، لقد وجدته، سأجرب المباراة، قلت لجابر: سوف يفوز ليفربول،
بلحظة ليست عميقة قررت تشجيع ليفربول، لأجل مصر، تذكرت محمد صلاح ثم قررت،نحن العرب عاطفيون وننزع للخيط الذي يخصنا ولو الى الطرف الآخر من الكرة في مونديال كروي، كهذه الليلة،
فعاتبني جابر،يعرف صديقي أن عقلي الباطن لا يخطئ، قال لي:تكتب وتكتب وتكتب عن الأندلس ثم تشجع ليفربول.
أراد جابر أن يستثير غريزة حبي،غريزة عشقي، غريزة انتمائي للهوى الأندلسي
لقد هز كياني، اللعين فعلها، أأتخلى عن البلاد الجنة في العراك الكروي وأدعي حبي للأندلس؟
 
ولكني، انا الشاب الذي كبر والريال وبرشلونة يسلبان لب الشاب اليمني أكرههما، أكره الانتماء الشبابي الملفت للكرة بهذه الشاكلة وهذه مشكلتي مع الأندية تينك، وقررت إقناع نفسي التمسك بالقرار الأول،
ليفربول، 
محمد صلاح، فقلبي مع الأندلس،وعقلي مع ليفربول، وسأتبع عقلي، مللت من المضي خلف هذا اللقب اللعين الذي أوردني موارد التهلكة
أنا ضحية هذا القلب الذي جرجرني طيلة عمري، القلب الذي أودى بي، وشواني على السفود،
فلأتبع عقلي هذه المرة: صلاح!
 
وخرجنا نبحث عن استراحة لنشاهد المباراة، أدركت أول مرة أن كل شيء يصير مستحيلاً وأن الضجة تملأ المدينة وأن الشوارع والباصات وأماكن بيع القات والاستراحات تمتلئ وأن المدينة توقف قلبها لتشاهد المباراة،
مباراة في القارة العجوز تستطيع أن توقف مدينة تتعرض لأكبر حصار دموي في اليمن، رغم المسافات، وهذه أدركتها اليوم، الكل يبحثون عن مكان ولو بين الأحذية في استراحات المشاهدة، طفنا المدينة وعجزنا عن إيجاد مكان يلمنا، أنا وجابر وماجد، قررت العودة الى متكئي من الغرق في هذه البهذلة التي لا أعرفها، وشعرت بالخجل من نفسي، قالت نفسي لنفسي : مدينتك محاصرة مقتولة مسفوحة وأنت،أنت يا قيسي، تنشغل بالتفاهات هذه، تباً لك ، ألف تب..ماذا حدث لك فجأة؟
قاومت هذا الشعور، تخطيب تأنيب الضمير وقررت المضي معهما الى النهاية ووجدنا المكان،في المدينة،الذي يلمنا
وهأنذا أكتب كل شيء قبل المباراة، ولا تهمني البتة،كل الناس هنا، من يحمي المدينة؟
 
الجندي في الجبهة يحميك يا هذا وأنت تشاهد المباراة ثم تفتح فمك وقلمك كحذاء قديم،على قارعة الزمن،لتسيء للجندي الذي يحميك، لعنتي!
آمنت، مهما كان من فاسد وإن تكاثرت الخطايا، فهؤلاء لا يحق لهم،
كل هؤلاء الناس،
الذين يموتون ويعيشون ويذرفون الدمع ويخسرون كل ما في جيوبهم لاجل مباراة لا يحق لهم التحدث عن شيء، وعن فساد وعن معركة ولا شأن لهم، لا شأن، بآلية النضال ولا شأن لهم، لا شأن، بالذي سيحدث،ولو نذهب الى الجحيم،فجندي بكل اغلاطه وخطاياه بهذه الساعة في الجبهة أشرف من كل هؤلاء الذين اوقفوا كل شيء لأجل المباراة،أشرف وأجل وأعلى..
 
ولفرد في صف العدو بهذا الليل،أمجد من هؤلاء، هذا رأيي،فنحن جيل الهامشيات..زمن الشباب الخاو من كل شيء، لا شيء يستحق،وهذا رأيي المختلف. ربيت في محيط يقدس الأولويات،محيط مختلف، له رؤية الله،وعلى هذا عشت،
والآن لا يهمني من فاز ومن خسر، وقررت أن الغرق في الضجيج المستمر لواقعنا بكل رماديته أنسب لي، وأولى..
 
سأعود وأكتب عن كل شيء، أهشتق وأبشتك وأندد وأبث القوة والهزيمة حتى ولكن لن أنسلخ عن واقعي، روحي متوحدة بالذين أرواحهم على فوهات بنادقهم في جبهات البلاد،الذين يجهلون كل شيء ومباراتهم الوحيدة هي الدم والفداء، الكر والفر، والشهادة..
 
لو سألت كل هؤلاء : خيرتك بصدق بين سقوط بقية المدينة،مدينتك تعز،وبين سقوط  ريال مدريد بالمباراة الأخيرة ماذا ستختار؟
أقسم لكم أن غالبيتهم سوف يصيحون : طز بالمدينة وبالناس،طز بكل شيء،كلهم عيال حرام، 
الأهم أن يفوز ريال.
أهم شي يفوز برشلونة.
يسقط كل شيء ويبقى ليفربول،وكل يغني على ناديه وتبقى القضايا المصيرية مرهونة بهؤلاء الشباب الذين دون هدى، تقودهم اشياء بعيدة،وتافهة، وقادوني لأول مرة معهم، كلنا ننقاد بسهولة ونخضع للهوى العولمي..
 
فليسامحني كل جندي على جريمتي هذه، غلطت وأعتذر..
أنا شاهدت، ذلك التزاحم في الشوارع قبل المباراة وذلك التوقف المخيف حين المباراة في مدينة كاملة أشعرني بالخجل،
لو أن هذا الشغف يكون لأجل البلاد سنجتاز الكارثة بلحظة ولكن شغفنا مسروق،هو مقدار من الشغف إن أردت سكبه في مباراة وان أردت في قضية..
 
هو ذات الشغف،ولك الخيار.