اليمن.. والحوثية: ضدان لا يلتقيان

04:01 2022/06/23

قبل 63 عاما تقريبا، كان الرحالة الألماني هانز هولفينز يضع لمساته النهائية على كتابه (اليمن من الباب الخلفي) معتبرا في الخلاصات التي توصل إليها أن الإمام يحيى ومن بعده أحمد، فرضوا عزلة على اليمن جعلته "أكثر زوايا العالم جهلا لدى سائر الناس في أنحاء المعمورة" ولما جاءت الجمهورية عرف العالم هذه الزاوية المجهولة التي عاش أهلها في شقاء وعذاب، ولعمري لقد اكتشف سر الداء الحقيقي الذي عانت منه اليمن.
 
كيمني مغترب أو مشرد أيا كانت التسمية، أحاول بكل تجرد وموضوعية أن أبحث عن شيء مشترك يمكن أن يجمع ما بيننا وبين الحوثية كجماعة أو مجتمع فأرجع بخفي حنين من دون أن أعثر على أي شيء، جماعة من الماضي البائس تنطلق من مرجعية طائفية وتصر على قراءة الواقع الراهن بلغة ماضوية ظلامية ومخيفة.
 
خطر جماعة كالحوثية يكمن في أنها لم تكتف بالسلطة والجبايات التي تنهبها من سكان المناطق الخاضعة لها، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك راغبة في إعادة قولبة المجتمع المحلي في العاصمة والمحافظات البعيدة على كل المستويات حتى الاقتصادية، فضلا عن محاولاتها إعادة تشكيل هذا المجتمع وفق هويتها الظلامية، ووصل الأمر إلى تدخلات كثيرة في شؤون الفرد، باتت مشهودة للعيان في الشاشات ووسائل التواصل.
 
لقد ساء الحال، وأدبر ما كان من قبس وإشراق، واستمرت المأساة في التفاقم، أتذكر جامعة صنعاء على سبيل المثال وأنا أحد طلابها كيف كانت أرجاؤها شعلة نشاط محتدم وكان طلبتها يتصدرون بحراكهم وسائل الاعلام المحلية والدولية، واليوم جامعة صنعاء أشبه بحوزة دينية لأنشطة الجماعة وفعالياتها الدينية في تحليل "ملازم السيد".
 
أما صنعاء كعاصمة فالصورة المتداولة لها من على متن طائرة اليمنية تشبه مقبرة كبيرة راكمتها الحياة لتحكي قصة المكان الذي هجره أهله، كل شيء يبدو ميتا لا شيء يشي بالحياة في واحدة من أقدم عواصم العالم، يعيش ملايين الناس وسط هذه المقبرة، سنواتهم تمر، لكنها تراكم معها تفاصيل ثقيلة، وحزينة، لقد صارت جزءاً من طبيعة حياتهم اليومية «لقد نفذ صبر سكان العاصمة يا محمد الوضع لا يطاق»، قال أحد أصدقاء الماسنجر.
 
يجب أن يفهم هؤلاء أننا في عالم يلاحق الزمن والوقت لتوفير كل ما يعين إنسانه على الحياة والاستقرار ، لكنهم مشغولون بملاحقة مصادر أرزاق الناس! 
 
يا..الله! كم اليمني مقهور موجع تحت سلطة هؤلاء! وكيف يمكنه التعايش مع هذه الجماعة التي تتوجع لآلآم من غادروا الحياة قبل أكثر من 1400 عام ولا تتوجع لآلام مواطن تحت سلطتها يبحث عن أبسط مقومات الحياة.
 
شيء ما غير طبيعي في تفكير هؤلاء وكل من يؤيدهم أو يقاتل معهم، هل هم حقا بشر؟ ولديهم مشاعر وأحاسيس؟
 
إن هناك حقيقة تمليها المعطيات اليوم، وهي أن الحوثية واليمن ضدان، وخطان متوازيان لا يلتقيان، ولن يستقر اليمن أبدا في ظل وجود هذه الجماعة بل سيبقى مستنقع دماء ومسرح صرعات لا تنتهي، والمسؤولية طبعا مسؤولية النخب السياسية التي تجزأت وتفتتت وتعمل بالوكالة لمصالح الأطراف الخارجية.