الطفلة فرح أمين.. تحدت إعاقة المليشيات لها ومضت نحو مستقبلها بقدم واحدة

  • الساحل الغربي - خاص
  • 12:00 2020/07/26

خاص منبر المقاومة - عبدالصمد القاضي: يدفع أطفال مدينة تعز ثمن حرب المليشيات الحوثية على المدينة؛ ويتجسد ذلك بكفاح طويل يتغلب على ما خلفته الانتهاكات المتواصلة للمليشيات بحق الطفولة.
 
الطفلة فرح امين، شبت ومعها اعاقة دائمة وحمل ثقيل من الألم. قبل ثلاثة اعوام اصيبت فرح بإحدى قذائف الحوثين في منطقة الضباب ادت إلى بتر قدمها، ليحمل جسدها الصغير كما هائلا من الألم ومشقة الحياة فالصدمات تتعاقب عليها بالتوالي، لقد فقدت أمها بوقت مبكر واصيب والدها بشظايا قذيفة حوثية، سببت لجسده داء الغرغرينا ليغادر الحياة بعد أمها. فرح وبعد عام من بتر قدمها تتحدى متاعب الحياة وتتخطى فوق نهر من القهر بقدم واحدة تشق طريقها نحو واحات الأمل. تقول فرح امين لـ "منبر المقاومة": لم يعد هناك شيء اخسره ولا أريد ان افرط بما يخبيه مستقبلي، نهاية عام 2016 خرج والدي لتفقد أشجار المانجو في موسم حصاده ليعود إلينا وقد حصدت شظايا قذيفة حوثية اجزاء جسده السفلى، يقول والدي أنه سمع مقذوف سقط بأحد المزارع تبعد امتار كثيرة عنه ولن يتوقع أن يصاب بشضاياها لكنها وصلت إليه ليعود طريح الفراش، فدخلنا محدود والحرب ضاعفت كل معوقات الحياة، صبر على جراحه واكتفى بمجارحة بدائية لتغزوا الغرغرينا نصفه الاسفل، وتعايش معها عامين حتى تغلبت عليه وتركني وحيدة. تواصل والدمع يسيل على خدها: كان يقول لي فرح أنا فداء لك، لم يتمالك قلبه حين سمع خبر اصابتي فقد اصبت بشظايا قذيفة منتصف شهر ابريل2017. وتسرد تفاصيل اصابتها بالقول : كنت مع بنات الجيران أمام الخزان الذي ننقل منه الماء إلى منازلنا بحي المقهاية منطقة الضباب وقتها سقطت قذيفة حوثية بالقرب منا ومن هول الفاجعة تفرقنا وهربت أنا واثناء هروبي سقطت قذيفة ثانية بالقرب مني فاصبت بشظاياها، لم أشعر بشيء، ومن ثم تم نقلي إلى مستشفى الصفوة بالمدينة، وبعد اجتماع الاطباء جاء أبي وخالي وطلبوا منه التوقيع على بتر قدمي والأنتظار إذا كان قدمي الآخر بحاجة إلى بتر أم لا، حاول والدي جاهدا واخبر الاطباء أنه سيدفع عمره مقابل إلا تقطع قدمي، لكن الضرورة ابت إلا أن تجبره على القبول والتوقيع خصوصاً بعد أن علم أن الرجل الثاني ستتعافى، استيقضت من الغيبوبة وابي يطمئنني أن رجلي ليس فيها شي بعد ما اخبرته أني أشعر ان قدمي متغير، كنت أشعر بألم شديد، واصيح اقتلوني ولا تقطعوا قدمي، ولا أدري أنهم قد بتروها، وبتروا جزء من عمري، بعد عودتي من المشفى إلى منزل خالي الذي بمثابة مأوانا الوحيد بعد أن هجرتنا الملشيات الحوثية من منازلنا بمدرية جبل حبشي، لم افكر بشيء سوى كيف أعود إلى صفي المدرسي بنصف جسد فالطريق إليها بعيدة ووعرة رفضت بالبداية استكمال دراستي كانت الحرب تحاول أن تسرق احلامي، فحالتي النفسية كانت سيئة للغاية، انفتح باب الأمل لبصري بخبر سفري لتركيب طرف صناعي بالخارج برعاية فاعل خير لكن تعرقل سفري بعد وصولي مدينة عدن، ليتكفل بذلك أحد مستشفيات مدينة عدن وتم تركيب طرف صناعي ليعيد لي الأمل المفقود منذ سنوات. كبرت عامين اضافين متغلبة على اعاقتي وانا بعيدة عن مدرستي لكنني تعرضت للإنكسار واعاقة دائمة بوداع والدي الوادع الاخير، فلم يعد هناك ما اخسره، لترتبط حياتي بمدرستي واملي بالحياة وما تحمله لنا الأيام القادمة، حين أشعر بالإنتصار على الاعاقة ومأساة حياتي يترمم ما دمرتة القذائف وحروب الملشيات الحوثية. يشير ماجد عبده وهو خال فرح وعائلها الوحيد بعد وفاة أبيها وأمها، الى أن حال فرح يدمي القلب، تعاني بدنياً ونفسياً بسبب إعاقتها التي سببتها مليشيات الحوثي وفقدانها لحنان الأبوي والتي مهما فعلتُ لا استطيع أن أعوضها عنهما. ويضيف: توقفت فرح عن الدراسة لعامين بعد فقدان قدمها ولعدم حصولها على طرف صناعي وبعد معاناة طويلة حصلت على طرف مؤقت وعادت للدراسة مجدداً ولكن رحلتها إلى المدرسة محفوفة بالمعاناة بسبب وعورة الطريق إليها في المنطقة النائية التي تعيش فيها، تحاول فرح أن تتجاوز آلامها بصلابة، فمنذ سبتمبر الماضي تغادر فرح منزلها في الضياحي بالضباب كل يوم صباحًا وتقطع مسافة 2 كم باتجاه مدرسة ميلاد التي تدمرت أجزاء كبيرة منها جراء تمترس الحوثيين فيها، تتوقف فرح من حين لآخر عن السير وتستريح تحت الأشجار، وتنزع قدمها الاصطناعية التي تعاني من آلامها،” فالقدم قصيرة وتؤلمها ولا تستطيع السير بها كثيراً”، ثم تعيدها لتواصل السير إلى المدرسة لتلتحق بزميلاتها في الصف الثاني الإعدادي، تغادر الصف منتصف النهار، تجلس على أنقاض ما دمره القصف من المدرسة، ممسكة بساقها الاصناعية التي تسعى لاستبدالها بسبب الآلام المستمرة ولكن دون جدوى، “ذهبت إلى مستشفى الثورة بتعز لتغيير القدم الاصطناعي ليردوا عليها إرجعي إلى عدن محل ما عملتي القدم الأولى”، لم تستسلم فرح لليأس ولم تسمح له أن يتسرب إلى عزيمتها، “الآن عدتُ إلى المدرسة ورغم إنني لم استطع الحصول على طرف صناعي مريح، لكن اصراري على الدراسة وتحقيق أحلامي لأصبح طبيبة يجعلني انسى كل الألم واتغلب على اهات الحياة المزدحمة بين ضجيج الحرب ورائحة البارود، هكذا تختم فرح حديثها.
 

ذات صلة