عسل اليمن وعلقم إيران - قصص ومآس يرويها نحالون.. حتى النحل يعاني من عدوان الحوثي!

  • تعز، الساحل الغربي، حسين الفضلي:
  • 10:51 2022/11/28

بعد أن منعته مليشيا الحوثي من المرور حيث فرضت عليه مبلغاً مالياً كبيراً مقابل ذلك، اضطر "محمد علي" للعودة من طريق آخر يوصله إلى الحديدة، لكن انقلبت به السيارة ليفقد ابنه والمناحل ويصبح واحداً من أكثر المتضررين من عبث المليشيا الحوثية ذراع إيران وتنكيلها باليمنيين. حتى العسل اليمني ذائع الصيت يعاني من علقم مليشيات إيران.
 
مع حلول كل شتاء في تعز يغادر رعاة النحل في اليمن من المناطق الجبلية الباردة نحو المناطق الساحلية أو التي تبقى خصبة ليتسنى لهم الرعي فيها ويحصلوا من خلالها على قوت أسرهم، لكنهم في السنوات الأخيرة تعرضوا للمخاطر والخسائر الجسيمة في الأرواح والأموال نتيجة للحرب التي تخوضها المليشيا الحوثية ضد الجمهورية منذ ثماني سنوات متتالية. 
 
محمد علي (اسم مستعار)، واحد من رعاة النحل في مدينة تعز، يعتمد عليها كمصدر دخل وحيد له ولأسرته، وكما هي العادة مع حلول فصل الشتاء أراد أن ينتقل إلى محافظة الحديدة ليرعى نحله فيها، لكن المليشيا جلبت له الفقر والحزن.
 
حصار وجباية
 
بعد رحلة البحث عن مرعى لنحله قرر الانتقال إلى عمق محافظة الحديدة حيث الأرض الخصبة التي تعده بالخير، لكن ذلك فرض عليه الانتقال عبر خطوط بديلة ومتعرجة حول الجبال بسبب الحرب والحصار الحوثي للمدينة.
 
في حديثه للساحل الغربي يقول محمد: قررت نقل النحل إلى تهامة، وتوجهت بها نحو طريق جبل حبشي، كون هذا الخط مفتوحاً ويربطنا بالمنطقة التي أريد الوصول إليها، لكن عندما وصلنا إلى أول نقطة تابعة للحوثيين أوقفونا، وقالوا لكي تمر ادفع لنا 300 ألف أو ارجع لمكانك.
 
لم يكن بحوزة محمد ما طلبته المليشيا مقابل مروره، لكنه حاول استلطافهم وتقديم الوعود بأنه سيعطيهم ما تيسر له بعد موسم الحصاد، لكنهم تمنعوا مما أجبره على العودة بنفس الليلة ليحاول العبور عبر الطريق المتعرج شرقاً من جبل سامع يوصله بالحوبان، لكن الموت كان يتربص به على جنبات أحد منحدرات الجبل، انقلبت به السيارة وما تحمله من مناحل ليفقد حياة ابنه ونحله في ذلك الحادث. 
 
 
يسترجع محمد علي مأساة تلك الليلة وهو يغالب دموعه المنهمرة حول خديه، يقول: كنت أحاول أن أذهب بنحلي للمرعى وأعود بالخير لأسرتي، لكني عدتُ بخسارة ابني ونحلي وسيارتي قبل أن أصل، مضيفا إن الطريق ضيقة ووعرة للغاية، حيث انقلب بسيارته وتناثرت المناحل نحو الهاوية ليجد نفسه خسر كل شيء.
 
وتعرض الكثير من العاملين في تربية النحل لحوادث جسيمة خلال مرورهم في هذه الطرق الوعرة البديلة، حيث يقول محمد إنه رصد 6 حوادث انقلاب للنحالة أثناء تنقلهم في هذا الموسم فقط.
هذه الطرق الوعرة حول الجبال هي ما تبقى لتعز من شريان يمدها بالحياة، حيث تفرض عليها مليشيا الحوثي حصاراً خانقاً، قطعت فيه كل الطرق التي تربط المدينة بما يجاورها، ليعيش أبناء هذه المدينة تحت وطأة الحرب والحصار على مدى ثماني سنوات متتالية راح ضحيتها الكثير من الخسائر المادية والبشرية.
 
 
خسارات متواصلة
 
لم يكن محمد وحده من فقد وخسر، لكن معظم العاملين في تربية النحل يشكون من خسارات متواصلة تطالهم ومناحلهم بسبب الترحال وقطع الخطوط، بالإضافة إلى الإتاوات الكبيرة التي تفرضها المليشيا الحوثية عليهم أثناء عبورهم أو عيشهم في مناطق سيطرتها.
 
يصف خالد محمد هذه المرارة للساحل الغربي فيقول: خسرت كل مدخراتي في تربية النحل، وكنت أحلم أن يأتي الموسم ويعود علي بالربح، لكن التنقل والترحال تطلب مني مبالغ مضاعفة، لأننا أصبحنا نسلك طرقاً بديلة طويلة ووعرة، ولجأت إلى بيع خلايا نحل لتسديد أجور نقلها. 
 
ويضيف، إن تنقلهم خلال الطرق الوعرة يعرض خلايا النحل للتلف وتصل معظمها ركيكة وغير قادرة على الحياة.
 
وبالرغم من هذا كله، فإن مربي النحل أثناء انتقالهم من منطقة لأخرى يتعرضون للمساءلة والتحري والابتزاز باسمها، حتى إنهم يضطرون لدفع مقابل مادي باستمرار لينقذوا أنفسم من بين أيدي المبتزين دائماً، وأكثر ما يتعرضون لذلك في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية، كما يقول النحالة.
 
يواصل خالد حديثه للساحل الغربي: "نذوق المُر عند الانتقال من منطقة لأخرى، لكننا مجبرون لعمل ذلك للحفاظ على نحلنا، وبالرغم من هذا كله أتعرض للابتزاز.. أثناء انتقالي لتهامة كان المشرف الحوثي يأتي يشتي عسل وفلوس، وأصحاب النقطة يشتوا عسل وفلوس بالقوة، ومجهود حربي وحق القائد فلان وحق الشيخ.. حتى أفلست وبعتُ ما تبقى منها". 
 
تنوعت أشكال الخسارة التي تطال النحالة في اليمن، لكنها توحدت تحت أسباب الحرب والحصار وتقطع الأوصال والروابط بين المحافظات وفرض الإتاوات والابتزاز، وكل هذا تسببت به المليشيا الحوثية جراء الحرب التي تقودها في البلاد منذ سنوات.
 
ويروي خالد حوادث مؤلمة لزملاء له في المهنة تعرضوا للسجن والتعذيب ومصادرة ممتلكاتهم في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية بسبب رفضهم لدفع الإتاوت أو منع إعطائهم العسل، فيقول: تهديدات متواصلة نتعرض لها لا سيما في مناطق الحوثي، إذا رفضنا الدفع والعطاء حيث سجنوا كثيرا ممن كانوا يرفضون دفع المال أو العسل وصادروا خلاياهم، وبقوا في السجون حتى دفعت أسرهم المال أيضاً لإخراجهم.
 
ترك خالد العمل في تربية النحل لتلك الأسباب وعاد للزراعة في قريته الصغيرة في الريف الجنوبي لتعز، حيث لم يكن الوحيد الذي ترك هذه المهنة، فهناك العديد ممن صادفهم موفد الساحل الغربي من بينهم محمد علي الذي اعتزل مهنة آبائه التي أخذت منه سعادته في زمن المليشيا، وباتت مئات الأسر ممن تعتمد على تربية النحل تجثو عليها الخسارات وتطالها مخاوف السابقين. 
 
وبحسب إحصائيات للأمم المتحدة فإن هناك أكثر من 1000 أسرة يمنية تعمل في تربية النحل وتعتبره مصدر دخل رئيساً لها، الأمر الذي يجعل حياة هذه الأسر تحت تهديد الفقر والجوع في ظل الحرب الحوثية وما يترتب عليها من مآسٍ يحصدها المواطنون بشكل يومي.

ذات صلة