قصة مصورة - حسين مالك.. طفل الإعاقة وأقدم المدارس بريف تعز "التصحيح"

  • تعز، الساحل الغربي، ضيف الله الصوفي:
  • 09:50 2023/03/30

التصحيح.. تهالك أقدم المدارس بتعز
التصحيح.. المدرسة المعلقة فوق الجبال
 
في ريف تعز الجنوبي، اعتاد الطفل حسين مالك، ذو التسعة أعوام، الخروج صباح كل يوم من منزله الواقع في منطقة المَعينَة، ليبدأ رحلته اليومية، حيث يقطع هذا الصغير، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، مسافات طويلة بهدف البحث عن التعليم، والوصول إلى مدرسة التصحيح، الواقعة أعلى قمة جبل المَعينَة، التابع لمديرية المسراخ.
 
 
يتحدى هذا الطفل الإعاقة، يتخطى ببطء متجاوزًا بعد المسافة في سبيل حصوله على الجرعة التعليمية في مدرسة المنطقة.. يشرح أنس مالك، شقيق الطفل: "يوميًا يأتي أخي حسين إلى المدرسة، يسير مسافة ساعة حتى يصل إلى هذا المكان، نظرًا لإعاقته التي تمنعه من الحركة السريعة، إضافة لصعوبة الطريق، وبعد المسافة بين المنزل ومبنى المدرسة".
 
 
 
بكفاح كبير، وبروح تتخطى ذوي الاحتياجات، يسير الطفل خطواته الأولى في مشواره التعليمي، ساعيًا بابتسامته الخاطفة لأن يحول إعاقته إلى قصة طرفاها النجاح والكفاح، وذلك من خلال سعيه المستمر في طلب العلم، والاندماج بأصدقائه وزملائه، والتكيف بطرق تعلمه فنون الكتابة والقراءة.
 
 
يضيف أنس: "يشكو حسين من بُعد مسافة الطريق، ويجد صعوبة في الصعود إلى المدرسة.. أحاول كل صباح الأخذ بيده، ومساعدته في تجاوز عقبة الجبل والوصول إلى مدرسة التصحيح الوحيدة في المنطقة".
 
 
وبحسب شهادات الطلاب فإن الطفل حسين يتعثر كثيرًا أثناء مسيرته اليومية، حيث يفقد توازنه عند مروره في ملتويات الجبل، وتعرجات المكان الضيقة والمخيفة.. هكذا يحرص الصغير على التعلم، وإن كان الوصول صعبًا، وعلى الرغم من إعاقته، إلا أنه يمتلك شغفًا وحبًا كبيرين للتعليم وتطوير قدراته ومعارفه.
 
صعوبة الوصول
 
صباح الثلاثاء قبل الماضي، كان مراسل الساحل الغربي على موعد مع زيارة لمدرسة التصحيح الأساسية.. تلك المدرسة القديمة، بل والوحيدة في منطقة المَعينَة، بمديرية المسراخ جنوب مدينة تعز اليمنية.
 
 
وبمعية المهندس طه الشريحي، أحد أبناء المنطقة، الذي بدأ حياته الدراسية من المدرسة ذاتها.. غادرنا مدينة تعز قبل السادسة صباحًا قاصدين الوصول إلى مركز المديرية، وبعد مرور ساعتين من الزمن والسفر في سيارة رباعية الدفع، توقفنا عند سوق المسراخ، الواقع أسفل منطقة المَعينَة.
 
وعن سبب التوقف، أجاب الشريحي بأن طريق المَعينَة وعرة، والسيارات الحديثة لا تستطيع المرور في سائلة المنطقة.. عندها انتقلنا إلى سيارة قديمة، موديل لاند كروزر 1979، والتي تظهر في صورة التقطتها عدسة الساحل.. ومن خلالها تمكنا من عبور طريق سائلة المَعينَة الممتلئة بالأحجار والصخور، التي محت معالم الطريق، وأصبحت السيارات تسير بعشوائية، وفقًا لمهارة السائق.. إنه المرور الصعب، في طريق هي الأصعب.
 
 
وحدها هذه السيارة ذات الموديل القديم، هي وسيلة المواصلات التي تتمكن من العبور إلى منطقة المَعينَة.. ففي الوقت الذي كاد الخوف يسيطر على فريق الساحل الغربي، كان سائق السيارة يبتسم قائلًا: "لا تقلق، أحفظ الطريق عن ظهر قلب، أو قلب ظهر، فقد نشأت وترعرعت بين هذه الجبال، وأهل المنطقة أدرى بشعابها والتفاصيل".
 
وأشار في حديثه إلى أن الأمطار والسيول عملت خلال العقد الماضي على ردم الطريق، فضلًا أنها طمست المعالم والمراسيم المحددة للأراضي الزراعية، وغيرها من ممتلكات الساكنين.. "تأتي السائلة أثناء مواسم الأمطار، تجمع المياه من جبال صبر، وتتسبب بكثير من الأضرار الخاصة بالأهالي.. تصور كان عندنا طريق مرصوفة قبل عام 2010، وجاءت السائلة وردمت الطريق، وجرفت مزارع الساكنين".
 
 
وأضاف: "عند مرور مياه السائلة، لا يستطيع أحد النزول إلى سوق المنطقة، أو مركز المسراخ.. نبقى في بيوتنا" هكذا تتجدد معاناة أهالي القرية مع كل موسم أمطار، وتكثر الأضرار الطبيعية التي تحدثها السيول في المنطقة.
 
توقفت السيارة التي تتصف بالصلابة وقوة التحمل، عند أسفل الجبل، بعدها قادنا الشريحي إلى المدرسة، عبر طرق ضيقة، وملتويات تعد خطرة بالنسبة لأطفال المنطقة، الذين صادفناهم أثناء الصعود إلى مبنى التصحيح، الذي يعلو المنطقة.
 
التصحيح.. مدرسة مُتهالكة
 
 
 
في أعلى جبل المعينة، ثمة مبنى شعبي قديم، يتكون من طابقين، يحتوي على تسعة فصول صغيرة وضيقة، ناهيك أنها غير مؤهلة أو صالحة لتدريس الأطفال خصوصًا أنها تفتقر لأبسط مقومات التعليم، التي تتمثل بالكراسي والنوافذ وغيرها من احتياجات العملية التعليمية.
 
ولأن التصحيح بعيدة عن الاهتمام الحكومي، فقد باتت تشكل خطرًا كبيرًا على حياة هؤلاء الصغار، حيث تعاني المدرسة من تهدم السطح، وتهالك أجزاء واسعة من المبنى، ففي الأشهر الأخيرة أصبحت مهددة بالسقوط.
 
 
تحدث عبدالسلام قاسم، مدير المدرسة لـ"الساحل الغربي": "المدرسة لم تعد مؤهلة، وليست آمنة، لأنها لم تحظ بالاهتمام من قبل الدولة والجهات المسؤولة.. السطوح منهارة، والأخشاب متهالكة، نتيجة عمرها الطويل.. المدرسة بحاجة لترميم وتأهيل كامل بحيث تستطيع الإدارة ممارسة النشاط التعليمي بأمان".
 
التقطت عدسة الساحل الغربي العديد من الصور لمدرسة التصحيح، ورصدت التفاصيل في زوايا المكان.. فصول بلا نوافذ، وبأرضيات رملية، وأسطح متهالكة، لا تقي الأطفال حرارة الشمس، أو برد الشتاء، ونتيجة لذلك تحولت ساحة التصحيح إلى مدرسة مفتوحة لهؤلاء الصغار، الذين يظهرون في الصور المقابلة، وهم يفترشون الأرض بالأقلام والدفاتر، في مشهد يتكرر بين فترة وأخرى داخل المدينة المحاصرة.
 
 
لكن معاناة طلاب مدرسة التصحيح تبدو أشد خطورة على الأطفال، وسط تعدد الأسباب بين بُعد المسافات وصعوبة الوصول خصوصًا مع تقلبات المناخ، وتغيرات الطقس.
 
تعد مدرسة التصحيح من أعرق المدارس في محافظة تعز، حيث تأسست في العام 1975 بجهود أهالي قري المَعينَة، كما تعتبر من أقدم المدارس في مديرية المسراخ، ولها الفضل في تأهيل أجيال متعاقبة من أبناء المنطقة.
 
 
ورغم أن هذه المدرسة تضم ما يقارب 370 طالبًا وطالبة في المرحلة الأساسية، إلا أنها كانت، ولا تزال، بعيدة عن اهتمام السلطات الرسمية، ومنظمات المجتمع المدني، والجهات ذات العلاقة.
 
بين فترة وأخرى، يطالب أهالي منطقة المَعينَة، الجهات المعنية، والمنظمات بالتحرك الجاد والمساهمة في ترميم وإعادة تأهيل مدرسة التصحيح التي ما زالت حتى اليوم تعاني الإهمال الحكومي، وتفتقر لأبسط الإمكانات.. ويرى كثيرون بأن المنطقة بحاجة ماسة لبناء مدرسة جديدة، تتوسط القرى، وتمكن الطلاب من التعلم وسط ظروف مناسبة.
 
 
 
 
 
 

ذات صلة