عام البغلة والجماعة

12:00 2020/05/04

أثناء فترة الرئيس المصري محمد أنور السادات اقترحت مجموعة من عضوات مجلس الشعب تعديل النص الدستوري بشأن مدة ولاية الرئيس، بحيث يمكنه البقاء في الرئاسة حتى الموت.. وقد فرح بذلك السادات وأنصاره، بينما تصدى لذلك حزب التجمع وأحزاب معارضة أخرى، وشنت الصحافة حملة انتقاد ضد صويحبات مشروع التعديل، وطاولت الحملة الرئيس، وهاجمت أنصاره الفرحين.. وكعادة شيوخ جماعة الإخوان المسلمين في مداهنة الرؤساء والظهور بمظهر أحذية الحكام، خرج القيادي المرموق في الجماعة الشيخ أحمد حسن الباقورى، يخطب خطبة مدوية، وكان مما قال فيها للمنتقدين: إن السلطان هو ظل الله في الأرض، وظل الله في الأرض له حرمة ومهابة، فلا يجوز المساس بالسلطان أو الإساءة إليه بكلمة.. ولكي يقوي الباقوري مجاملته هذه استحضر شهادة شرعية من الماضي، وهي أن بعض الفقهاء قالوا: إذا كان السلطان يركب بغلة، وكان ذيلها مقطوعا، فلا يجوز التهكم على الذيل، لأنه ذيل بغلة السلطان، فكيف بالتهكم على السلطان ذاته؟
 
وقد دفعت مقالته هذه بعض الساخرين فأطلقوا على ذلك العام وهو عام 1980 عام البغلة! قتل السادات في هجوم المنصة المشهور، وبعده بسنوات قليلة مات خطيب ذيل البغلة، وجاء الرئيس مبارك فكان له في بداية أمره من أشياخ الجماعة أذيال كثر.بعد عام البغلة بنحو 33 سنة جاء عام الجماعة وفيه تفاصيل.. ففي يناير 2011 سقط نظام مبارك، وتولى قيادة البلاد مجلس عسكري لفترة مؤقتة، تم بعدها تنظيم انتخابات رئاسية، وقام رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان زعيم الحزب الحاكم في تركيا ذي النزوع الإسلامي، ينصح قيادات جماعة الإخوان المسلمين أن لا تقدم مرشحا منها للرئاسة المصرية كي لا تفتضح، وأن تكتفي بدعم المرشح عبد المنعم أبو الفتوح الذي ترك الجماعة ولم يعد محسوبا عليها، إذ في حال فشله المؤكد في إدارة شئون السلطة لن تتحمل جماعة الاخوان تبعات الفشل.. لكن الجماعة أصرت على ترشيح محمد مرسي، وجذبت نحوها الناقمين على الرئيس مبارك، فصوتوا معها لمرسي.. جلس مرسي – متعجلا- على الكرسي الأول في مصر، وجاء أردوغان إلى القاهرة في شهر يوليو2012 يهنئه وجماعته بتوليهم السلطة في مصر، ثم القى خطابا في جامعة القاهرة، قال لهم- راجيا وناصحا- أن حاولوا تكونوا علمانيين يا اخواننا لكي تتقبلكم مصر، ويدوم حكمكم مثلما دام حكم حزب العدالة والتنمية عندنا في تركيا، جربوا المدنية، ونرجو أن تكونوا كذا وكذا.الرجال رجع إلى استنانبول، ومن هناك تابع أخبار خبط عشواء الإسلام السياسي الحاكم في مصر، وبعد نحو أربعة أشهر من تفاقم الجائحة الاخوانية اتصل أردوغان بمرسي ينصحه بإلغاء الاعلان الدستوري الذي تفردت الجماعة بتفصيله على مقاسها ومقاس ابنها، فهيجت المعارضة ضد حكم الجماعة.. ونصحه أن يجري حوارا مع المعارضة بشأن مستقبل مصر وشعبها.. رد عليه مرسي: اطمأن يا أخ أردوغان، فأنا لن اسمح بعرقلة مسيرة الديمقراطية في مصر.. ويا لها من ديمقراطية تلك التي كانت في عام الجماعة هذا!ظل أردوغان يتتبع أخبار تجليات نصائحه، وأخبار الديمقراطية التي أرسى مرسي دعاماتها في مصر، وأكد لأخيه عدم السماح بعرقلة مسيرتها.. وكان يستمع أردوغان اخبار الجماعة مع الديمقراطية والعلمانية، ويقول يا لطيف! شيخ من شيوخ الجماعة رأى وهو نائم رؤيا ديمقراطية.. رأى أن رئيسا اسمه محمد سيأتي بعد محمدين اثنين ليحكم مصر، وعلى يديه تتحرر القدس من اليهودة، وهذا المحمد هو محمد مرسي الذي جاء بعد محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك.. وخرج شيخ آخر في الجماعة يكذب كذبة مدنية، هي أن رجلا صالحا في المدينة المنورة رأى في المنام جبريل عليه السلام وهو يدخل مسجد رابعة العدوية ليثبت المصلين.. وشيخ رأى أثناء نومه مجلسا فيه الرسول محمد، والرئيس مرسي ومعهما أشخاص لم يعرفهم، لعلهم ملائكة، وربما أولي العزم من الرسل، فلما حان وقت الصلاة، قدّموا الرسول للصلاة، لكن الرسول محمد قدّم محمد مرسي.. أما الدكتور عبدالعزيز سويلم- وهو أحد العلماء الصالحين- فقد رأى في منامه ثمان حمامات خضر، تقف على كتف الرئيس محمد مرسي، فأبلغ الشيخ مسعد أنور بذلك، فأولها أن الرئيس محمد مرسي سيحكم مصر مدة 8 سنوات بالتمام والكمال.. ويبدو أن الشياطين نامت بعد هذا الذي رأى ثمان حمامات خضر، حيث لم يتحدث أي من شيوخ الجماعة عن رؤيته ثمان صفر أو ست زرق أو سبع سمان، فقد كانت هناك بومة واحدة سوداء!!في عام الجماعة حكمت هذه الجماعة مصر بالفتاوى وبالتكفير وبالاستبداد، وأدارت شئون المصريين بالأحلام النائمين، وهم في يقظة ثائرون على حكمها، فقام قادة الجماعة وشيوخها يحرضون على قتل الملايين الهادرة:اقتلهم يا سي مرسي.يا مرسى يا ولد العم، راح نفديك بالروح والدم. يا مرسى ادينا إشارة، واحنا نجبهم لك في شكارة. وفي النهاية روح مرسي ومعظم قادة جماعته بيت عمهم في طره، والبقية منهم راحوا عند أردوغان يعملوا له برامج دعائية عن محاسن السياحة في تركيا.
 
*(المقالات التي تنشر تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع)