السود.. من "الثقفي" إلى "الحوثي"

12:00 2020/06/28

منبر المقاومة - فيصل الصوفي: قدم المختار بن عبد الله الثقفي من العراق، إلى عبد الله ابن الزبير الذي كان يقود ثورة ضد الأمويين بدءا من الحجاز.. كان المختار معارضا لبني أمية أيضا، لكن ينقصه رجال، لذلك سعى إلى التحالف مع ابن الزبير، بينما هذا الأخير لا يثق به.. حاول إغراءه فقال له: إني أعرف قوما لو أن لهم رجلا له رفق، وله علم بما يأتي لأستخرج لك منهم جندا تغلب به أهل الشام.. سأله الزبير: من هم؟ قال شيعة بني هاشم بالكوفة.. في الحقيقة كان المختار الثقفي يقصد آخرين، كما سنرى بعد قليل.
 
افترق الرجلان، حيث رجع المختار الثقفي إلى العراق، ومن هناك أعلن زعامته، ونادى في الناس: من جاءنا عبدا فهو حر.. ووو.. كان العبيد والموالي والأعاجم والمستضعفون، يعانون من الحرمان والتمييز.. فتجمعوا حول المختار الثقفي سعيا للنصفة والعدل، فإذا به يتخذ منهم جيشا يخوض به مغامراته ضد ولاة بني أمية في الموصل والكوفة، ثم ضد ابن الزبير.. وهنا فقط فطن ابن الزبير معنى تلك العبارة الغامضة التي سمعها من المختار، وهي أنه يعرف كلمة لو قلتها كثر أتباعي، وهذه هي.. فقد كثر أتباعه.. لم يكونوا من شيعة بني هاشم في الكوفة كما زعم، بل كانوا أولئك البؤساء الذي أحسن المختار خدعهم بشعارات النصفة والحرية والغنائم، ليستغلهم ويهلكهم في مغامراته الحربية التي قتل هو نفسه في آخرها. كان ذلك في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، أما عند نهايات النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي، فها هو عبد الملك الحوثي يرفع شعار أحفاد بلال، ليستدرج المواطنين اليمنيين سود البشرة إلى معاركه الحربية، مستغلا المظلمة التاريخية التي ما تزال تحيط بهم منذ سقوط دولة بني نجاح قبل نحو ألف وأربع مائة عام وحتى اليوم.. لكننا مطمئنون أن قدرته على حشدهم لخططه العسكرية سوف تصطدم بوعي هؤلاء المواطنين، وخاصة مع بروز شخصيات من داخلهم، ومؤثرة فيهم، مثل الحذيفي واضرابه، وبالتوكيد سيكون هناك أشخاص عرضة للخدع، حتى لقد قيل أن بعض هؤلاء المخدوعين قتل اليوم في الجوف. لقد حاول الحوثي استغلال عاطفتهم الدينية، من خلال القول إنهم أحفاد بلال، الذي لا يمتون له بأي صلة نسبية، ولا عرقية تقريبا، وحسب أنه بهذا الغزل الديني سوف يجلبهم إلى سوقه، وظن أيضا أنه يمدح، بينما أساء إليهم أبلغ إساءة، عندما اعتبر بشرتهم السوداء هي نقيصتهم الكبيرة، فقرنهم بالعبد الحبشي الذي يدعى بلال. نجدها مناسبة لتذكير أهلنا هؤلاء، وتذكير غيرهم أن البشرة السوداء نتاج عوامل طبيعية، لا يعترض عليها عاقل، وهي ليست منقصة، فمثلها مثل البشرة، الصفراء، البيضاء، الحمراء، والقمحية، وكلها لا علاقة لها بعبودية أو حرية، بذكاء أو حمق، بتخلف أو تقدم، وقدرة أو عدم قدرة على الترقي، فهذه الصفات ترجع إلى نوعية العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وإلى إعمال مبدأ المساواة أو التمييز، وإلى مبدأ تكافؤ الفرص أو الاستبعاد.. فالقارة السوداء تنهض الآن بالسود، وبحكم النظام الدستوري الراقي الديمقراطي العادل في الولايات المتحدة الأميركية، تمكن مواطن أميركي أسود، وهو أوباما، من حصد أغلبية الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وترأس أكبر دولة على الكوكب في هذا العصر، وتأملوا في قوائم أهم الأدباء في العالم، وقوائم الحائزين على جوائز نوبل، واحصوا عدد السود منهم. في حركة الدفاع عن الاستقلالية اليمنية اشتهر الأسود العنسي المذحجي، الذي قاد ثورة ضد الأبناء الفرس، وتوسعت حتى بلغت شرق جزيرة العرب وشمالها.. ومعروف أن البطل العربي المشهور عنترة بن شداد كان أسود البشرة.. وبالسواد تسمى شعراء مثل الشاعر الأسود بن يعفر، وتسمى اليمنيون بأسماء وألقاب مثل سويد، وسويدان، فضلا عن مناطق مثل السوادية في البيضاء، وقرن السوداء في شبوة. هذا بالنسبة للذكور، أما بالنسبة للإناث لا نعرف أن البشرة السوداء كانت نقيصة، بل أن المرأة السوداء كانت في مختلف الأزمان مفضلة عند كثير من الشباب والرجال غير السود، فقد تغزل بها شعراء عرب في مختلف الأعصر، كما قال الشاعر العباس في واحدة تدعى سعدى: إن سعدى والله يكلأ سعدي، ملكت بالسواد رق سوادي أشبهت مقلتي وحبة قلبي، وبها فهي ناظري وفؤادي وللشاعر ابن الرومي قصيدة في امرأة سوداء، منها قوله: كأنها والمزاح يضحكها، ليلٌ تعرى دجاه عن فلق قال الراغب الاصفهاني في كتابه المسمى محاضرات الأدباء: لما ذكرت قصيدة ابن الرومي هذه في وصف المرأة السوداء في مجلس أبي الحسن الموسوي، وأسرف بعض الحاضرين في مدحها، ارتجل هاتين البيتين: أحبك يا لون السواد لأنني، رأيتكما في العين والقلب توأما سكنت سواد العين إذ كنت شبهه، فلم أدر من عز من القلب منكما وأحب أحدهم فتاة سوداء، وكان ينشد فيها: أحب لحبها السودان حتى، أحب لحبها سود الكلاب.
 
*(المقالات التي تنشر تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع)