الأئمة أول من قنن جريمة أخذ الرهائن في اليمن 1-2

12:00 2020/09/07

قبل الحديث عن نظام الرهائن في عهد الأمام يحيى محمد حميد الدين، وأبنه الإمام أحمد، نذكر أن لفظة الرهائن في اللغة العربية، ولدى قدامى الفقهاء المسلمين تشير إلى الأشخاص الذين كانوا يؤخذون من العدو لضمان عدم غدره، فإذا غدر جاز للمغدور به قتل أولئك الرهائن.
 
وفي ظاهرة الرهائن هناك ثلاثة أطراف: الأول هو الذي يقوم باختطاف أو أخذ الرهينة.. الثاني الرهينة نفسه، الذي يكون عادة برئ ولا علاقة له بالنزاع أو الخلاف بين الطرفين الأول والثالث.. والطرف الثالث هو الذي تم أخذ الرهينة لابتزازه أو لمطالبته بأمر ما. فالرهينة إذن هو الشخص الذي يتم أخذه واحتجازه من قبل الخاطفين أو المرتهنين، لإجبار طرف ثالث على تلبية طلب المرتهن مثل دفع فدية مثلا، أو الإيفاء باتفاق ما، فأن لم يتم دفع الفدية يقوم المختطفون أو المرتهنون بقتل الرهينة، وأقرب مثال لذلك ما يقوم به تنظيم القاعدة الذي يختطف يمنيين أو أجانب أبرياء ثم يطالب بفدية مالية، أو يطلب الافراج عن عناصره المسجونين، فلب الافراج عن عناصره المسجونين، فأن لم يحصل على مراده قتل الرهينة أو المختطف. ويعد هذا السلوك جريمة جسيمة بحق الإنسانية، وانتهاك فظيع لحقوق الإنسان.. شخص بريء تقيد حريته ويخوف وتتم المساومة على حياته أو قتله أو سجنه لمجرد الضغط على طرف ثالث.. وهذا بالضبط ما كان يقوم به النظام الإمامي في شمال اليمن طوال أكثر من أربعة عقود.. حيث قام الحكم الإمامي بتنظيم وشرعنة جريمة ارتهان الأبرياء منذ تولى الإمام يحيى الحكم في شمال اليمن عام 1918، حتى مقتله، وبعد مقتله في شهر فبراير عام 1948، واصل أبنه الإمام أحمد بن يحيى العمل بنفس النظام إلى أن ألغته حكومة الثورة في 28 سبتمبر1962. لقد كان ألوف اليمنيين الأبرياء عرضة لهذه الجريمة، فعلى سبيل المثال ذكر ادجار أوبلانس مؤلف كتاب: اليمن، الثورة والحرب، أن الإمام يحيى حميد الدين كان يحتجز أربعة آلاف رهينة معظمهم من أبناء حكام الألوية وعائلات الأشراف، وشيوخ القبائل، وحتى شيوخ القبائل الصغيرة البدوية وشبه المرتحلة، الذين تم احتجازهم كضمان لولاء وحسن سلوك آبائهم وذوي قرابتهم. فإذا ما ثبت عدم إخلاص أي من آبائهم، أو إذا ما شك الإمام في تآمرهم، ضده يتم قتلهم، وغالبا ما يعذبون بغرض المساومة، وقد مكن هذا النظام الإمام يحيى أن يظل قابضا على زمام الأمور في الدولة حتى أوائل العام 1948. وصورة نظام الرهائن الذي ارتكز عليه حكم الأئمة، هي على النحو التالي: كل شيخ قبيلة، أو والي منطقة، عليه أن يسلم أحد أبنائه أو اخوته رهينة إلى الإمام لكي يضمن عدم معارضة هذا الشيخ أو الوالي لحكمه، ولكي لا يخرج عن طاعته.. إذ لو فكر في المعارضة أو التمرد أو عدم طاعة أوامر الإمام وسياساته، فأنه يكون بذلك قد تسبب بقتل الرهينة الذي قد يكون ابنه أو اخيه. كان عمر الرهينة الذي يسلم للإمام يتراوح بين 8 سنوات، و 15 سنة.. فإذا كبر سنه، أو توسلت أسرته إلى الإمام بإطلاق سراحه، إما لأنه أصبح العائل الوحيد للأسرة، وإما لأنه سيتزوج، فها هنا يتعين على أسرة الرهينة تسليم الإمام رهينة بديلة، يكون عادة صغير السن.. وهكذا تستمر الدوامة: يخرج رهينة، ويحل مكانه رهينة من نفس الأسرة.. تصوروا، إنسان برئ يرتهنه الإمام منذ طفولته إلى كهولته، لمجرد أن الإمام يريد ضمان ولاء والده أو أخيه.. طفل يحرم من حريته، ومن صحبة والديه وكنف أسرته، ويحرم من حقه في الأمان، ويتوقع القتل في أي لحظة، وفوق هذه المعاناة النفسية، معاناة بدنية داخل سجن لا تتوافر فيه أبسط مظاهر احترام الآدمية.. فلباسه زنة(ثوب) واحدة وصماطة، وفراشه حصير، وصحبته قمل وبراغيث وأوبئة، ويستحم مرة واحدة في الشهر، واذا أراد حلق شعر رأسه عليه دفع أجرة الحلاق، وإذا بليت الزنة أو تمزقت فأن الحصول على زنة جديدة يتطلب الحصول على أمر من الإمام ذاته. لكن- والحق يقال- كان حق الرهينة في التربية والتعليم مضمونا.. فقد كان الإمام يرسل إليهم من يعلمهم القراءة، ويزودهم بدروس وتعاليم حول طاعة مولانا، والفني في خدمته! فإذا تبين أن اساليب تعليمهم وتربيتهم للرهائن قد جعلتهم مخلصين للإمام، كانت المكافأة الحاقهم بالجيش المظفر وتسخيرهم لقمع وسلب أهاليهم، أما الذين لم يبلغوا الحلم فكان يتم اختيار أنجبهم واحسنهم للقيام بالخدمة المنزلية في قصور الإمام ونائبه وأعوانه ونسائهم. العجيب أن بعض المتعصبين للإمامة، ومؤرخيها، اعتبروا هذه من فضائل الإمامة المتوكلية، فقد سجلوا في كتبهم مدائح لنظام الرهائن، وعددوا محاسنه، وأيضا برروا للإمامين يحيى وأحمد جريمة انتزاع الأطفال من أسرهم عنوة، وقالوا أن ظاهرة أخذ الرهائن كانت سائدة منذ أعصار قديمة، وعرفتها كل شعوب الأرض قديما وحديثا. وهذا كلام صحيح يراد به الدفاع عن باطل.. صحيح أن ظاهرة أخذ الرهائن وجدت منذ القدم، لكنها لم تكن عامة، ولم يتم تقنينها كما فعل الإمام يحيى ومن بعده ابنه أحمد.. ففي عهدهما اصبحت مؤسسة، أو نظام مستقل بذاته يتم من خلاله توطيد حكم الإمام وضمان الولاء له وعدم معارضة سياساته المتخلفة والظالمة، وتضمن نظام الرهائن الحميدي تقاليد مرعية، كيفية اختيار الرهينة، ماذا يلبس، كم يتعين أن يكون عمر الرهينة، الحالات التي يجب فيها اخراج رهينة من محبسه أو من القصر، وشروط الرهينة الجديد البديل، وماذا يلقن الرهينة...ووو، ومن تلك التقاليد اختيار رهائن ذوي صفات معينة واستخدامهم للخدمة في قصور بيت حميد الدين ومساعدي الإمام.. فهذا التقنين لظاهرة اخذ الرهائن حولها إلى نظام، إلى مؤسسة، وهذا لم يحدث في أي مكان آخر على وجه الأرض في القرن العشرين. قبل الإمام يحيى كان الاحتلال التركي لليمن يأخذ رهائن من هنا وهناك، وكانت الظاهرة حينها تتناول أشخاصا كثيري التأثير والأهمية، رأى المحتل التركي إن أخذ الرهائن منهم يضمن له فرض سيطرته على سلوكهم، بينما جاء الإمام يحيى ليحول الظاهرة إلى نظام كما رأينا قبل قليل، وتوسع في هذا النظام، وعممه على أرجاء اليمن، وفرضه على كبار شيوخ القبائل وصغارهم، وكبار الولاة وهمجهم، وشجعه على هذا التوسع خضوع ذوي الرهائن له، وإن وجد بعض السخط مع بروز المعارضة في العام 1948، وهو ما نجده في الصحف التي كان يصدرها معارضوه من مدينة عدن، والتي أسهمت في كشف هذه الجريمة أمام العالم الحر.. كما كان لكتابات بعض الرحالة العرب والغربيين، تأثير في ذلك.. أمثال أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب، وسلفادور أبونتي في مؤلفة: هذه هي اليمن السعيدة، وهانز هو لفريتز في كتابه اليمن من الباب الخلفي. كل ما سبق أحدث تأثيره في الحكم الملكي الإمامي، والمعروف أن إلغاء نظام الرهائن كان من بين المطالب الأساسية التي تبنتها حركة الأحرار اليمنيين، الأمر الذي يدلنا على فداحة جريمة أخذ الرهائن، وتوسع فعاليتها، كما يدلنا على أن نظام الرهائن كان من بين الأسباب التي ولدت المعارضة التي قضت في النهاية على حكم بيت حميد الدين. وأنها لمن مهازل هذا الزمن اليمني الرديء ومن المفارقات العجيبة أن الشعب الذي كان إلغاء نظام الرهائن من بين القرارات الأولى لنظامه الجمهوري الذي أقامته ثورة 26 سبتمبر1962، فأن هذا الشعب في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية صار رهينة، تساوم الجماعة بحياته الأمم المتحدة، وتساوم باحتياجاته مجلس الأمن الدولي، وتساوم العالم المتحضر بأمنه.. إنها ترتهن معظم أبناء الشعب في مناطق سيطرتها ونفوذها، وتساوم على حياتهم، لكن ما العجيب في هذا الأمر، أليست هي اليوم بصدد استعادة نظام الإمامة برمته؟
 
*(المقالات التي تنشر تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع)