المخضرية الحوثية وأكلتها المغفلون

05:52 2020/11/07

يشهر الحوثيون اللون الأخضر لسبب مشهور وهدف مقصود، سنقف عليهما قليلاً بعد هذا الاستهلال عن تقبل بعض المغفلين للخديعة الحوثية القائلة إن الجماعة لم تختر هذا اللون إلا لأنه لون ثياب أهل الجنة المذكور في القرآن.. يسير خلف مشرفي الجماعة مغفلون جوعى، عطشى، عرايا، بينما  يرون أهل هذه الجماعة ونساءها يرفلون بثياب من كل صنف ولون وأساور من ذهب وفضة في فيلل السندس والاستبرق.
 
لا ينتبه المغفلون للمخضرية الحوثية.. وهي مخضرية.. الإعلام أو الرايات الخضراء على المباني، وعلى أعمدة الكهرباء، وخرق مصممة على شكل قبة أو مثلث يتم نظمها على خيط أو حبل وتعليقها في الشوارع، وبدلاً من صورة الإمام، أو يا حسيناه، الإيرانية أو الشيعية العراقية، كتبوا عليها الله، أو محمد.. وعلى الرغم من أنهم تجنبوا اللون الأسود في شعاراتهم وراياتهم وخطوطهم وفرشهم وسياراتهم وجنائزهم واحتفالاتهم الخاصة، كي لا يظهروا تقليد الشيعة في إيران والعراق الذين يعتمدون السواد في العمائم والرايات الحسينية، فإنهم عمموا اللون الأخضر تمييزاً لهم عن سائر المواطنين.. والعجيب أن أتباع الحوثيين الذين ينتمون إلى فئات شتى مختلفة لم يدركوا هذا بعد، فتراهم يحاكون الحوثيين أو يقلدونهم تقليداً أعمى، حتى ذهب بعض منهم إلى طلاء وجوههم وأجسادهم باللون الأخضر، ويشجع الحوثيون هذا السلوك لهدف معروف هو أن يغدو اللون الأخضر الذي يميزهم عن سائر الخلق، من المُسَلَمات في المستقبل.
 
يحاولون فرض اللون الأخضر، في مجتمع عميق بالتعدد المذهبي والتعدد الثقافي.. يحاولون تبرير ذلك، كما سنرى بعد قليل، على الرغم من أن مبرراتهم لا علاقة لها باليمن الخضراء ولا باللواء الأخضر، ولا بالقرآن، ولا بنبي القرآن، ولا لباس أهل الجنة.. ففي القرآن، مثلاً، ذكر اللون الأخضر كما ذكر غيره من الألوان كالأحمر والأسود.. وارتدى الرسول الأبيض والأسود والأخضر.. والمعهود عند العرب وعند غيرهم أن أنواع وأشكال وألوان الملابس يتم تصميمها وارتداؤها حسب مقتضيات العمل وتغير الأجواء والأمكنة: صيف، شتاء، خريف، ربيع.. فلاح، جندي، عامل، طالب.. صحو، منام، صلاة، عيد.. سلم، حرب.. أذواق: أسود، أحمر، أخضر، أزرق، وردي، خليط.. كذلك هي الأعلام والرايات.. ففي عهد الرسول كانت على أكثر من لون، ومنها الأحمر.. واتخذت  الأسرة الأموية اللون الأبيض، ثم غيرته إلى الأخضر، وتخلت عنهما إلى الأسود.. وكان شعار زعماء الشيعة أخضر في عهد الأسرة الأموية، ثم غيروه إلى الأسود، وانضم إليهم بنو العباس فكان شعارهم الأسود، ثم صار الأسود الشعار الرسمي لدولتهم، ونهاية أيامهم غيروه إلى الأخضر.. مع العلم أن ليس للألوان دلالات رمزية عند أول العرب والمسلمين، وإنما أخذوا هذه الدلالات من حضارات أخرى قديمة، وكان ذلك في وقت متأخر، فالأسود -مثلاً- كان لون الحداد في الدولة الفارسية الوثنية القديمة، ثم حين تشيعت إيران في العهد الإسلامي اتخذت منه لون حداد على الحسين.. ولم يكن في العراق العلماني أي تمييز بين الطوائف الدينية، ولكن بعد سقوط النظام العلماني صعدت الشيعة واقترن صعودها بالطقوس الحسينية التي يغلب عليها الجذب واللطم واللون الأسود، وأنشطة أخرى، والهدف وراء ذلك توحيد الجماعة وتقوية مكانتها السياسية.. ومثل هذا تفعل الحوثية في اليمن، حتى صار العلم اليمني عندها بمثابة منديل في الاحتفالات، لأن ألوانه توحي لها بدلالة نفسية مكروهة.
 
لون العلم اليمني، وألوان الأعلام العربية في هذا العصر، ليس لها أي دلالة تمييز، وهذا يكفي.. ليس ثمة لون واحد مميز أو للتمييز، بل تتكون من عدة ألوان في دلالة على الإقرار بواقع تعددي.. مع العلم أن الألوان هذه وردت في شعر شاعر شيعي المذهب، لكنه عروبي القومية والانتماء.. فعندما فكر القوميون العرب براية أو علم للأمة العربية، جعلوا فيها أربعة ألوان: الأبيض، الأسود، الأخضر، والأحمر.. هذه اتخذوها من قصيدة الشاعر صفي الدين الحلي (نسبة إلى منطقة الحلة في العراق، وتوفي عام 752 هجري تقريباً) في الفخر، وخاصة البيت الثاني التالي بعد الأول:
 
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً
       أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بِيض صَنائعنا سود وَقائعنا
              خضر مرابعِنُا حمر مواضينا
 
ومعنى البيت واضح، كما هي واضحة دلالة الألوان، فكأنما قال إن إحساننا إلى الناس خالص أبيض، ومعاركنا الحربية مع العدو أهوال عليه، وكرام نحن، وأرضنا واسعة في مشاربها ومآكلها، وسيوفنا (المواضي) تقطر دماً لكثرة ما بطشنا بالأعداء.. فمن هنا كانت أعلام الدول العربية المعروفة اليوم.