قرار مجلس الأمن الأخير وتجدد مسارات الضغط الدولي على مليشيا الحوثي
- أ.د. عبدالوهاب العوج*
- 09:26 2025/11/15
يأتي قرار مجلس الأمن الصادر يوم الجمعة ١٤ نوفمبر الجاري في سياق متصل من محاولات المجتمع الدولي إعادة ضبط ميزان القوة في اليمن، وهو قرار يجدد نظام العقوبات المرتبط بالملف اليمني حتى نوفمبر ٢٠٢٦م، ويمدد تفويض لجنة الخبراء باعتبارها الآلية الأممية الأعلى قدرة على تتبع مصادر التمويل ومسارات تهريب الأسلحة، ويعيد تثبيت الإطار الدولي الذي نشأ منذ قرار (٢١٤٠) وقرارات ما بعد ٢٠١٥م، في لحظة تتقاطع فيها التهديدات الأمنية في البحر الأحمر وبحر العرب مع تحولات سياسية عميقة في الإقليم.
القرار يحمل في صياغته إشارة واضحة إلى استمرار السلوك المزعزع للحوثيين، إذ يعيد تأكيد أن الهجمات التي تستهدف الملاحة والتجارة الدولية تمثل تهديدًا للأمن والسلم الإقليميين، وقد جاءت الإحاطة الأخيرة للجنة الخبراء لتؤكد اتساع نطاق عمليات التهريب عبر شبكات بحرية وبرية تمتد من سواحل القرن الأفريقي حتى الموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهو ما دفع المجلس إلى الدعوة لتشديد الرقابة على المواد مزدوجة الاستخدام، باعتبارها بوابة لإنتاج قدرات صاروخية وطائرات مسيّرة متطورة، في استمرار لنمط اعتمدته إيران في دعم وكلائها في سوريا والعراق ولبنان خلال العقدين الماضيين.
تجديد العقوبات لا يمثل إجراءً شكليًا فقط، بل يعكس إدراكًا دوليًا بأن التهدئة القائمة منذ عام ٢٠٢٢م لم تُترجم إلى تغيير جوهري في سلوك الحوثيين، بل على العكس، توسعت الهجمات البحرية في البحر الأحمر خلال عامي ٢٠٢٣-٢٠٢٤م، وتطورت قدرات الحوثيين على استهداف السفن التجارية وناقلات الطاقة، إضافة إلى توظيف المجال البحري كورقة ضغط إقليمي، وهي أنماط تتقاطع في بنيتها مع أدوار الحرس الثوري الإيراني في مضيق هرمز منذ ٢٠١٩م، ومع أساليب حزب الله في جنوب لبنان خلال فترات الضغط الدولي.
القرار يحمل دلالات سياسية مهمة تتعلق بالاصطفاف الدولي، فقد جاء بتأييد واسع داخل المجلس، مع امتناع روسيا والصين، وهو امتنع يعكس حساسية موسكو وبكين تجاه عمليات التفتيش البحري التي ترى فيها تجاوزًا لمعادلة حرية الملاحة من جهة، وتوسيعًا لسلطة مجلس الأمن على حساب السيادة الوطنية من جهة أخرى، غير أن بقاء القرار ضمن مساحة الإجماع النسبي يؤكد أن المجتمع الدولي لم يعد ينظر إلى الملف اليمني بوصفه نزاعًا محليًا، بل كجزء من شبكة أوسع من التهديدات تمتد من باب المندب حتى شرق المتوسط.
ردود الفعل الحوثية المتوقعة تحمل طابعًا مركبًا، فالتجارب السابقة تشير إلى أن مليشيات الحوثي تلجأ عادة إلى مزيج من التصعيد المحسوب عبر البحر، وتكثيف الحملات الإعلامية والسياسية التي تتهم المجتمع الدولي باستهداف “الشعب اليمني”، إضافة إلى تعزيز الارتباط السياسي والعملياتي مع إيران وحزب الله، كما حدث بعد قرارات ٢٠١٤م و ٢٠١٥م ومرحلة الضغوط الأمريكية في ٢٠٢١م، وهي ردود فعل لا تهدف فقط إلى إظهار القدرة على الصمود، بل إلى إعادة صياغة ميزان الردع الإقليمي بما يتيح للحوثيين تحسين موقعهم في أي مفاوضات مستقبلية، وهو نمط مشابه لاستراتيجية النظام السوري خلال فترات العقوبات الدولية في العقد الماضي.
من المتوقع أيضًا أن يلجأ الحوثيون إلى استخدام القرار كأداة تعبئة داخلية، عبر توسيع خطاب “الحصار” ورفع مستويات الجباية على التجار والمستوردين لتعويض أي نقص محتمل في التمويل، وهو مسار تكرر خلال فترات الضغط الاقتصادي السابقة، خصوصًا بعد توقف رواتب موظفي الدولة في ٢٠١٦م، كما أن التصعيد الإعلامي ضد الأمم المتحدة سيأخذ منحى متزايد مع محاولات حشد التعاطف الدولي عبر المنظمات غير الحكومية ووكالات الإغاثة، وهي محاولة لإعادة إنتاج سردية تعتبر العقوبات استهدافًا للمجال الإنساني، رغم أن صياغة القرار أكدت ضرورة تنفيذ التدابير دون الإضرار بالوضع الإنساني.
تُظهر تجارب العقوبات الدولية في سوريا ولبنان والسودان وليبيا أن فاعلية القرارات الأممية تعتمد بدرجة رئيسية على إجراءات التنفيذ، سواء عبر تفتيش السفن، أو مراقبة حركة الأموال، أو تفعيل ولايات لجنة الخبراء التي لا تقوم بعملها كما يجب في كثير من الاحيان ولاسباب متعددة، وبالتالي فإن أثر القرار على الحوثيين سيظل مرهونًا بمدى التزام الدول الأعضاء بالرقابة البحرية واللوجيستية، وبقدرة الآليات الأممية على تتبع شبكات التهريب، وهي شبكات عابرة للحدود تمتلك مرونة عالية وتستفيد من هشاشة المناطق الساحلية وغياب الرقابة، كما حدث في ليبيا خلال الفترة ٢٠١٢ ـ ٢٠١٧.
يمثل القرار في جوهره إعادة تثبيت للإجماع الدولي على أن سلوك الحوثيين يمثل خطرًا يتجاوز حدود اليمن، وأن الأمن البحري في البحر الأحمر والخليج العربي لم يعد ملفًا ثانويًا، بل ركيزة من ركائز الأمن العالمي، وهو قرار يعيد إدراج الجماعة ضمن دائرة الرقابة الدقيقة، ويضعها أمام لحظة سياسية حرجة تتطلب مراجعة عميقة لطبيعة ارتباطها بالمحور الإيراني، ولخياراتها في التعامل مع المجتمع الدولي، ولقدرتها على الانتقال من دور الجماعة المسلحة إلى دور الفاعل السياسي، وهي مراجعة تبدو بعيدة في ظل استمرار النهج العسكري والتوسعي.
*أ.د. عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي يمني
جامعة تعز
