من الشلل إلى كورونا.. الشائعة واحدة

01:37 2020/12/06

كثير من الشائعات أو الأخبار الكاذبة التي تروج في أسواقنا حول قضية معينة، هي شائعات أو أخبار كاذبة تم استحضارها من الماضي بعد أن أشيعت حينها حول قضية مشابهة للقضية الجديدة التي تضاف إلى الشائعات المصممة لها لمسات مناسبة.. ما يشاع اليوم حول فايروس كورونا واللقاحات التي ابتكرت ضده، له صلة بالشائعات التي أحاطت بفايروس شلل الأطفال ولقاحاته قبل عدة عقود.
 
أصبح لقاح شلل الأطفال فعالا منذ نهاية منتصف العقد الخامس من القرن العشرين، فأنقذ البشرية من خطر الفايروس القاتل وصارت بعض الدول اليوم خالية منه.. مع ذلك فأن بعض رجال الدين في منطقتنا يحذرون من هذا اللقاح في كل مناسبة تنفذ فيها الحكومة حملات تحصين للأطفال ضد الفايروس، تارة بدعوى أن اللقاح مؤامرة يهودية للقضاء على النسل عند المسلمين، وتارة بعدم أهمية تناول جرعات التحصين،كما يفعل رجال الدين الحوثيين في هذين اليومين.
 
وهذه شائعات قديمة، كان لها بواعثها.. فالمعروف أن الطبيبين الأميركيين جوناس سولك، والبرت سابين، هما اللذان ابتكرا وطورا لقاح يحصن الأطفال ضد فايروس شلل الأطفال.. الطبيبان يهوديان، فسابين يهودي ولد في بولندا عام 1906 ثم هاجر إلى الولايات المتحدة، وجوناس سولك ابن أسرة يهودية روسية هاجرت إلى أميركا أيضا.. اشتغل الاثنان في الأبحاث الطبية رغم كونهما كان محاصرين بالاضطهاد بسبب ديانتهما.. انتج جوناس لقاحا في العام 1954 فاعطي لمئات الاشخاص عن طريق حقن جلدية، وكان اللقاح عبارة عن فيروسات مسببة للمرض تم إماتتها تماما بمادة الفورملدين.. هذه التجربة لم تكن ناجحة، إذ أصيب بعضهم بالفايروس بعد تناول اللقاح، وتوفي أكثر من عشرة أشخاص، كانت يهودية جوناس سببا في التشكيك في ذمته من قبل الأميركيين، بينما فشل اللقاح عزي إلى أن جوناس استخدم فيروسات ميتة تماما.. طور البرت سابين التجربة من خلال لقاح مشابه وهو عبارة عن فيروسات تم إضعافها وليس إماتتها- كما في تجربة جوناس- بحيث تنتج في الجسم اجساما مضادة للفايروس دون أن تسبب أي مرض.. تم إعطاء اللقاح عن طريق الفم (نقط) كما هو سائد إلى اليوم، وبذلك نجح اللقاح بصورة نهائية منذ عام 1956، وأنقذا هذان اليهوديان البشرية من أكثر الأمراض ضراوة.. لقد كان فشل التجربة في أولها، إلى جانب  أن جوناس والبرت يهوديان، مدعاة لتلك الشائعة التي لا تزال تستحضر للحالات المشابهة حتى اليوم، كما هو الحال مع وباء كورونا، كما سنرى الآن.
 
إن أعداد المصابين بفايروس كورونا تزيد عن الستين مليونا، وقد توفي منهم نحو مليون ونصف المليون حتى نهاية شهر نوفمبر، ومنظمة الصحة العالمية، ومؤسسات علمية دولية أخرى، تحذر من موجات جديدة للوباء.. حصة البلدان العربية والإسلامية من هذه الأرقام كبيرة، وستظل عرضة للموجات الجديدة أيضا، بينما نتلقى نحن- العرب والمسلمين- معلومات مضللة عن الفايروس، ونبحث عن المزيد منها وننقل هذا التضليل إلى الذين لم يصل إليهم بعد.. مقالات  وتقارير وأخبار تنسب إلى أسماء ذات ألقاب علمية: العالمة الصينية فلانة، والعالم الاسترالي فلان، ومؤسسة كذا، حتى أن بعض المهرفين نسب تقارير وحوارات بهذا الشأن إلى المحامي روبرت.ف. كنيدي الابن!! كل هذه تحذر الناس من تناول اللقاحات والأدية التي تم اكتشافها وتصنيعها حتى الأن في أميركا وانجلترا والصين وغيرهما للحماية من فايروس كورونا، بعد أن شكك أشخاص في وجود الفايروس نفسه، ورأينا من يجازف في انكار الأرقام عن عدد المصابين والموتى، وزعم آخرون أن كورونا تم تكوينه في مختبر، لأغراض تجارية، ولتغيير النظام الاقتصادي العالمي السائد، ولتقييد حرية التنقل وحرية التجمع، والحد من ارتياد دور العبادة.. ومن أقر بوجوده اعتبره مثل أي فيروس عادي كالانفلونزا.. وباختصار كورونا هذا مجرد مؤامرة، ولذلك لا يجوز للمرء منا أن يؤذي نفسه بتناول أي لقاح أو عقار تم ابتكاره وانتاجه حتى الآن، لأنه ضارة للغاية.
 
هذا ما قد قيل.. لذلك ينبغي إدراك أن كل الذي قيل هو الضار.. عبارة عن أوهام متوهمين.. ولا علاقة له بالعلم الصحيح اطلاقا.. اللقاحات والأدوية أكدت فعاليتها ودقتها وعدم ضرها مؤسسات علمية- طبية دولية محترمة، وهناك بلدان عربية مثل السعودية قد اشترت كميات كافية ستزود سكانها بها مجانا، وقبل يومين وافقت مملكة البحرين على استخدامها، وقد يحصل عليها اليمنيون قريبا.. إننا إذا صدقنا بتلك الأساطير أو الأكاذيب، وإذا انكرنا وجود الفايروس، أو هونا من خطره، وامتنعنا عن التلقيح تفشى الوباء في أوساطنا، وكثر الهلاك فينا.