زمن الاستبداد السلالي

06:36 2020/12/11

يعتبر حكام الاستبداد السلالي أن الزمن توقف معهم وحط رحاله عندهم فهم قادة أزليون خالدون أو هكذا يرون، يموت التاريخ عندهم يموت تاريخ الماضي. يفتشون عن الكتب القديمة أو ما يُسمى التراث يلتمسون قداسات وهمية كي يبقى عقلهم مسمراً في الماضي وأمجاده خاصة عند أئمة آل البيت الذين طالما عملوا على تقديسهم وتأليههم وإعطائهم أكبر من حجمهم الطبيعي، وكي يبقى عقلهم بعيدا عن الحاضر، فكل ما يمت إلى الحاضر بصلة بالنسبة إليهم فهو ما تمليه عليهم أجهزة المخابرات التي باعوا أنفسهم لها بأمر من الإمام المستور/ الطاغية.. 
 
كل حركة للناس مراقبة لديهم، حياة الناس بالنسبة إليهم مشروطة بعدم الحركة.. الحركة تخيفهم.. تقض مضاجعهم الديناميكية كل حركة مشبوهة في قناعاتهم خاصة إذا ارتبطت ب"هنا والآن".. يصادر الطاغية/ المستور الزمن ويتوعد مخالفيه بحركات يديه في خطابات دينية جوفاء تتغنى بالمظلومية وتحلم بالسيادة.. هذا السلالي/ المستور هو في الحقيقة من يعلن نهاية التاريخ فهو اليماني صاحب الزمان التاريخ ينتهي به أو هو هكذا يرى وإلى الأبد. 
 
الحركة الوحيدة المعتبرة والمسموح بها هي حركة النقل من وإلى السجون والأقبية المظلمة حيث ينتهي المسجونون إلى لا حركة سكون دائم يرتاح منهم السلالي/ المستور و_حينئذ _ يسود مجتمع الاستبداد هدوء خانق تنعدم فيه الحركة إلا جعجعة أتباع النظام خاصة المثقفين/ الأحذية منهم الذين لا تتحرك أدمغتهم إلا للتكرار واجترار تعليمات الجرذ / المخبوء وأهل النظام وأنصاره.
 
الوقت مقياس الحركة، الحركة مقياس الإنتاج عندما يصادر السلاليون الوقت فهم يصادرون في _ الآن ذاته _ الإنتاج أو عملياً، يدفعونه إلى الحد الأقصى الحركة مؤشر العمل العضلي (والعقلي إلى مدى بعيد) هي مؤشر رأس المال ودوراته المتوالية هي مؤشر الفصول الأربعة بما فيها الربيع ومواسم القطاف والثمرة بالزمن تنمو كل نشاطات الإنسان من لا يعمل لا يهمه الوقت ليس لديه شيء يقاس به الزمن سوى تصدير الخطابات الانفعالية والشعارات الجوفاء وتكريس الضغينة والكراهية.
 
ألغي الزمن وتوقف باسم التشيع أو حب العترة وهؤلاء لا يهمهم زمن اللحظة والراهن هو زمن واقف في مكانه أما زمن الحسينيات فهو خارج مدار التاريخ مآتم للاستباحة والنهب أو بالأحرى للتعويض عن أزمتنا الراهنة عند كل هؤلاء يمر الزمن متراخيا رخوا بين أيدينا لكنه زمن لا يقيس شيئا.. لا نتحرك وإذا فعلنا كانت الحركة لا حركة، فعلنا مجرد تثاؤب إيذانا بالانتقال من دوي انكسار إلى دوي انكسار آخر.
 
انتزع الزمن من وقتنا.. وأصبح علينا العيش خارج سياق الزمن نقفز فوق الماضي لنتابع أقوالهم المقطوعة بالواقع الراهن، فيصير تكرارها نوعا من الهذيان المحموم والثرثرة غير المجدية هم المثل الأعلى أو هكذا يتصنمون أمامنا وعلينا أن نقلدهم أو هكذا هم يريدون، نحن على استعداد لترك ما يربو عن ألف عام مما نسميه مرحلة الانحطاط فترة خاوية من الزمن نعتبر أننا لم نفعل خلالها شيئا فلا شيء يستحق القياس، لا شيء يستحق التباهي، عملاء ومرتزقة يحكموننا، تتابع سلطنات على مدى ألف عام، يتبعها حكم استعمار ثم استبداد في زمن الاستقلال والسلالة، ولا شيء يستحق التباهي. نمحو التاريخ ولا نثبت منه شيئا لا ننتمي إليه ولا هو ينتمي إلينا. نحن خارجه منذ أكثر من ألف عام، ويكأننا لم نضف شيئا على الصعيد الفكري والاكتشافات العلمية والانجازات الحضارية خلال تلك الفترة، كنا عابرين في كلام عابر كأننا كنا خارج التاريخ نحذف ألف عام من التاريخ من وعينا نحذف التاريخ من وعينا يُحذف وعينا من التاريخ. 
 
نعود الآن لندخل التاريخ ولكن من بوابة الشعارات والتقية "الدينية والسياسية" ولا نعرف كيف نُصاب بالهزائم وهناك من يحتال علينا بجعلها انتصارات، نتصرف على هذا الأساس نضحك على أنفسنا وبالطبع نجيد ذلك بمهارة عالية ويضحك العالم علينا وشر البلية ما يضحك نحن موجودون ونشغل حيزا من الفراغ، بل نحن الفراغ عينه لكننا لسنا موجودين في عالم الفعل لا نرى في حاضرنا ما يرفع الرأس خيبات تتوالى، سلاليون يحكمون قبضتهم علينا نتوهم أننا نبتكر شيئا أو ننجز بخطابات سلالية طنانة رنانة مجدا ما أشبهه بسراب بقيعة ما زلنا نقرأ في مدونة المقاومات نجتر خطاباتها ولم نأت بجديد فكريا أو ماديا على ساحات الهزيمة، هزمنا، هرمنا ولم نعترف حتى بالهزيمة أو بالشيخوخة، نعيش في حالة إنكار ولا نرى أننا نقتل في كل عام مرة أو مرتين.
 
قذفنا أنفسنا خارج الزمن مرة ثانية أسقطنا النظام لنعود إلى حياة رجل الكهف الأول فوضى عارمة عربية اليد والقلب واللسان ثورات سممت شبابنا بالغضب والانفعال الأجوف وأطل معها الفقر والجهل والمخاوف العار يدعو إلى الخوف والخوف يدعو إلى التدين الأعمى المتعصب.. توقف بنا الزمان، ولفظتنا الأمكنة، تحولت أوطاننا إلى ساحات حرب لصالح قوى إقليمية ورغبات استعمارية في اللحظة نموت آلاف المرات وكلما زاد انغلاقنا علينا رأينا في منجز الآخر عدوا بنا لم ندرك بعد أن أعمال أي شخص خير معتقداته وأن قيمة الإنسان ما يتقن وينجز خدمة للبشرية نحن أعداؤنا. 
 
ننتقل من مجهول سيء إلى مجهول أسوأ في كل مرحلة ينعدم الفراغ من الزمن لا فعالية لقياس جدوى العبث نستعين على المجهول بالكهانة والخرافة ومرويات العجزة والمسنين وعلم النجوم وبالمجهول ذاته على أمل أن نستيقظ وقد نزلت المعجزات علينا وانسدل الستار.
 
انعدام الزمن انعكس في خطاب الفكر السلالي البائس من حولنا لا نفكر في حاضرنا ومستقبلنا ولا يفكرون نيابة عنا بنا، وحده الفكر المصادر يرجعنا صوب السقيفة والماضي وأعنة الخيول المطهمة وقفا نبك.. الحاضر والمستقبل لا نصنعهما وأنى لنا ذلك؟ فصناعة المستقبل تستوجب انسجاما مع الزمن ولا يكون الانسجام إلا بالإنتاج ومواكبة العصر بالعمل صارت المقاومات فعلا عبثيا يؤكد عدم استحقاقنا للحياة أو قدرتنا على العمل قتال وموت مجاني واستحداث مقابر جديدة من أجل هزائم أخرى يتبعها إلقاء _ اللائمة _على الآخرين: غرب يتآمر علينا وإيران تصادر قضايانا. تركيا تقلّد إيران. التقليد ذاته قتل للحاضر وتقديس للماضي وأزلامه.. 
 
_ ماذا صنعنا؟
 لا شيء.. نحن أعجز من أن نصنع شيئاً. 
يبدأ الزمن من تجاوز انكفائنا على أنفسنا خروجنا من القمقم إلى العالم إنتاج المعرفة والعلم بدل التعلم على استعمالها للاستهلاك.. لكننا بدل ذلك أغلقنا بإحكام التوابيت على أنفسنا نعتقد أن العزلة تحمي المجتمعات.. فندور وندور ضمن الثقافة الموروثة لا نجرؤ على تبني ثقافة العالم، نخاف الزمن وكذلك التجديد حتى تراثنا نسيء إليه نريد الحفاظ على التراث ولو كان مهترئا وخرافيا لنسكن فيه لأنه لم يعد لنا وطن نسكنه.. 
 
قطعنا علاقتنا بالزمن لا نعرف الزمن ولا نستطيع التعامل مع التاريخ، السلاليون اختزلوا الزمان فيهم فهم الزمان والمكان أو هكذا أرادوا أن نرى ذلك.. بالتالي لا نستطيع أن نميّز بين الهزيمة والنصر على كل حال، لا انتصارات إلا القليل في حاضرنا نحتال على أنفسنا بأن نفترض بعض الهزائم انتصارات لا نستطيع الإقرار بأن واقعنا هو هزيمة أو قل على سبيل الدقة والإفصاح هزائم ليس لدينا زمن محلي يشير إلينا تأخرنا على صعيد الإنجاز فصار الزمان غير ذي بال بالنسبة لنا أو هكذا يراد لنا.. 
 
احترام الزمن لا يعني فقط استعادة التاريخ والرقي في سلم الحضارة والإنجاز هو أيضاً وقبل كل شيء، احترام للذات وللإنجاز المتعلق في التوقيت الحضاري والأهم إنهاء التكاليف في الوقت المحدد.. ربما نحن لا نعلم أننا في سباق دائم مع الزمن وأننا في عصر السرعة.. التخطيط للمستقبل لا يعني فقط استعدادنا للإنجاز والقفز على واقعنا المؤلم بل تنفيذ ما خطط له في الزمن المعد للتنفيذ مسبقا واحترام الذات يبدأ من احترام المواقيت بشتى أنواعها وهل حياتنا إلا الزمن الذي نهدره في الضجيج والاحتراب.. "والعصر * إن الإنسان لفي خسر".
 
نحن أمة تغرق في دمائها لا زمن لها.. تعيش الآن وغدا خارج سياق الزمن فمتى ترانا نستيقظ لنحقق قفزة طويلة تليق بنا بعد كل هذا الهوان والموت اللذين أحاطا بنا في زمن الاستبداد السلالي المقيت الذي لا علاقة له بالتقاويم والتوقيت. ومتى نكون فعلا حقيقيا فإن لله رجالا إذا أرادوا أراد لهم ما أرادوا.