سجون الحوثيين «مقابر الأحياء» (4): سجن حنيش بالحديدة

  • الساحل الغربي، سلسلة تقارير - ماجد الحيلة:
  • 08:48 2020/12/23

يقع سجن "حنيش" ضمن سور السجن المركزي بمحافظة الحديدة في مديرية الحوك، وسمي "حنيش"، في إشارة إلى انعزاله عن بقية مبنى السجن المركزي مثل جزيرة حنيش البعيدة، ويتم فيه إخفاء المختطفين من المدنيين المناوئين لمليشيا الحوثي من مختلف مديريات محافظة الحديدة.
 
تبلغ مساحة سجن حنيش 40×30 متر تقريباً، وهو أشبه بمبنى على شكل حرف L، يتألف من 6 غرف، ثلاث منها كبيرة نسبياً، وثلاث منها صغيرة، وثلاثة حمامات فيها مياه مالحة لا يستطيع المختطفون الشرب منها بسبب تلوثها، إذ لا يتم توفير المياه الصالحة للشرب كنوع من أنواع التعذيب التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق المختطفين.
 
يدير هذا السجن عبد اللطيف الشرفي المُكنّى (أبو أكرم) من محافظة حجة، يعاونه في ذلك أبناؤه وبعض من أقاربه الذين يعملون كأمنيين في السجن، بالإضافة إلى مجموعة من المحققين، الذين دأبوا على الدخول بشكل يومي على المعتقلين للتحقيق معهم وتهديدهم والأمر بتعذيبهم، من هؤلاء المحققين محمد السودي (أبو معتز) وهو رئيس المحققين، ويوسف أحمد محمد الكحلاني (أبو هلال) وناصر محمد أحمد العقيلي (أبو صخر) وعمرو علي حسن صومعه (أبو محمد).
 
الوضع العام داخل السجن
 
يتعرض المختطفون والمخفيون داخل سجن حنيش لانتهاكات جسيمة، مثل حرمانهم من أبسط الحقوق كمنع الطعام والماء والدواء، أو تقديم هذه الحقوق لهم بما يتنافى مع أدنى متطلبات الرعاية اللازمة والمنصوص عليها في جميع المواثيق والأعراف الدولية، ناهيك عن الابتزاز والتعذيب النفسي والبدني.
 
شهادات الانتهاكات
 
في مقابلة مع أحد المعتقلين السابقين قال: نقلتنا جماعة الحوثي من سجن القلعة إلى سجن حنيش، وعند نقلنا قال لنا المشرفون الحوثيون "إن سجن حنيش يعتبر سجنا رسميا حكوميا، وإننا سننال فيه كافة حقوقنا شأننا شأن السجناء الجنائيين، إلا أنهم عزلونا تماماً عن العالم ولم ينفذوا ما وعدونا به".
 
وفي مقابلة أخرى مع معتقل سابق في سجن حنيش قال: تم نقلي مع 96 مختطفا آخرين من سجن القلعة إلى سجن حنيش، وعندما وصلنا إلى السجن كان ممتلئاً بالحشرات وفي حالة سيئة جداً، مُنعت عنا الزيارات والاتصالات، كما كان الطعام المقدم لنا رديئا جداً، ولا يكفي إلا لنصف المختطفين، فالقائمون على السجن لا يسمحون للعائلات بإدخال الطعام، كما كانوا يمنعون إدخال المال لنا لشراء ما ينقصنا فكنا نقضي الكثير من الأيام جائعين.
 
 
وفـي شهادة أخرى لأحد المعتقلين السابقين في سجن حنيش قال: "كان السجن يفتقر لأدنى متطلبات الصحة العامة، فالقائمون على السجن لم يوفروا لنا الدواء، ولم يسعفوا المرضى، مما تسبب بانتشار الأمراض والأوبئة بين المختطفين، وانتشرت الفطريات والتقرحات في أجسادنا بسبب الحرارة الشديدة وقت الصيف حيث كانت تصل إلى 45 درجة مئوية.
 
أما "فاديـة"، زوجة أحد المعتقلين قالت: ذهبت عدة مرات للبحث عن زوجي في سجن حنيش بعد أن علمت بنقله من سجن القلعة، وكان مسؤول السجن ينكر وجوده، وفي إحدى المرات قال لي مسئول السجن إنه في ذمار، ومرة أخرى أخذوا ما معي من طعام وفاكهة ووعدوني أنهم سيبحثون عنه ويعطونها له، لكنهم لم يفعلوا.
 
وفي مقابلة أخرى مع يحيى الهيج "50 عاماً"، مدير مدرسة الثورة الثانوية في محافظة الحديدة قال: اختطفتني مليشيا الحوثي أثناء الدوام الرسمي بتاريخ 24/11/2016، حيث مكثت في الزنزانة الانفرادية لمدة 45 يوماً في سجن نادي الشرطة العسكرية بالحديدة، بعدها نقلوني إلى سجن القلعة بتاريخ 10/01/2017، ومن ثم نقلوني إلى سجن حنيش فــي منتصف شهر مارس/آيار  2017م، ليتم الإفراج عني بتاريخ 05/11/2017 من خلال عملية تبادل أسرى، إذ تم مبادلتي بأحد العسكريين الحوثيين الذين أسروا في إحدى الجبهات وهو من محافظة صعدة.
 
وأضـاف الهيج؛ في سجن حنيش تعرضت للعديد من الانتهاكات، وكان الأكل والشرب من أسوأ ما يكون، ولم يكن يكفي لإطعام المعتقلين، حتى نقصت أوزاننا بسبب سوء التغذية.
 
والتحقيقات كانت تجرى عادةً في منتصف الليل، وكانوا يمنعون عنا الأدوية والمصاريف، أنا مريض بارتفاع ضغط الدم، وقد طالبتهم كثيرا يسمحوا لي بإدخال العلاج أو أن يسمحوا لعائلتي بإحضاره لي، إلا أنهم رفضوا.
 
ويضيف آخر: "كان بعض المعتقلين يعاني من الانزلاق، والروماتيزم، أما الفطريات في سجن حنيش فحدث ولا حرج".
 
ومع التعذيب زادت حالة المعتقلين سوءاً، فمعتقل حنيش يعد بيئة خصبة للأوبئة والأمراض، ونتيجة لذلك، أصيب بعض معتقلي حنيش بمرض القلب، وهم داخل المعتقل، وما زالوا يعانون من المرض حتى بعد خروجهـم جراء التعذيب الذي تعرضوا له داخل غرف التعذيب في سجن حنيش.
 
أحد الضحايا السابقين المفرج عنهم قال أيضاً: تعتمد مليشيا الحوثي على التعذيب النفسي كثيراً داخل سجن حنيش، حيث يتم إخراج المعتقلين من الزنازين الصغيرة إلى ساحة السجن، ومن ثم يعاودون توزيعنا من جديد دون سبب، فضلاً عن التلفظ بالألفاظ البذيئة التي تخل بالدين والأخلاق.
 
ويضيف: "كنا معزولين عن العالم نهائياً، لا اتصال ولا تواصل، حتى النافذة كان ممنوعاً علينا الوقوف بجانبها طوال فترة اعتقالي لسنة ونصف".
 
انتهاك القوانين المحلية والدولية:
 
ارتكبت مليشيا الحوثي منذ سيطرتها على مؤسسات الدولة جملة متنوعة من الانتهاكات والاعتداءات بحق المدنيين العزل، من قتل وتعذيب واختطاف وإخفاء قسري، وغيرها من الانتهاكات والتجاوزات التي تخالف في طبيعتها جميع المواثيق والأحكام والأعراف الدولية، كل هذة الانتهاكات قامت بها جماعة مسلحة لا تتبع لأجهزة الدولة الرسمية كما هو الحال لمليشيا الحوثي التي حرمت آلاف الأشخاص حريتهم قسراً في خرق واضح للاتفاقية الدولية التي نصت على حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي عرفت "الاختفاء القسري" في المادة الثانية منها بـ: الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.
 
"في حين أن ميثاق روما الناظم للمحكمة الجنائية الدولية عدّ هذا الفعل "جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم".
 
وتكمن خطورة الاختطاف أو الإخفاء القسري للأشخاص في كونها تمثل عذاباً مستمراً للضحايا وعائلاتهم، إذ إن ذلك يبعث على القلق فيما يتعلق بحياة هؤلاء الضحايا، هل ما زالوا أحياء أم أصبحوا في عداد الموتى؟ فضلاً عن عدم تمكين المختطف من حقوقه القانونية كالمحاكمة العادلة، وتوكيل محامٍ، وغيرها من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها المسجون.

ذات صلة