قصة "اللصوص المُكَبِّرين": استثمار وصناعة "الحوثي- الحرب" في اليمن (الجزء الأول)

  • الساحل الغربي، وحدة التحقيقات (جماعي):
  • 12:18 2021/01/17

يتتبَّع تحقيق مشترك، بمساهمة قديرة من مراقبين لعمل المنظمة الدولية في نيويورك وخبراء، لمنصة (الساحل الغربي)، مِلفاً شائكاً؛ في صلب الحرب والصراع الذي يُدار في اليمن، والشرايين الخفيّة التي تغذّي المليشيات الحوثية وتعمل على إطالة معاناة اليمنيين وعمر الحرب، وظاهرة اللصوصية المحمية والأثرياء الجدد.
 
مدخل: خلفية 
 
عدد قليل، فقط، من التقارير الدولية وعمليات الرصد والتوثيق، تسلط الضوء على سياسات الحوثيين القمعية وأساليب المليشيات في السيطرة وإحكام القبضة الحديدة في مناطق سيطرتها. 
 
بينما يفعل ذلك عدد أقل من تقارير وروايات (الطرف الثالث)، وهي هنا تعني بصورة حصرية وخاصة الروايات التي تُنسب إلى الأمم المتحدة أو أي من منظماتها ووكالاتها، علاوة على فريق الخبراء التابع للمنظمة الدولية ويرفع تقاريره الدورية إلى مجلس الأمن الدولي. 
 
في مقابل كثرة تشتغل على مقولات ومحددات رصد تتناول بصورة مكثفة الطرف الآخر في معادلة الأزمة والحرب في اليمن (التحالف، والحكومة الشرعية). وهو الأمر الذي يعزوه مراقبون ومراقبون لعمل المنظمة الدولية، إلى أسباب تتعلق بميزان الأفضلية المالية والاقتصادية والمقدرة على الدفع والتجاوب مع الضغوط المتزايدة لاستخلاص مزيد من الأموال والامتيازات، تحت طائلة الابتزاز التي تقع تحته دول وحكومات التحالف الداعم للشرعية، مثل السعودية.
 
استثمار وصناعة "الحوثي- الحرب"
 
العام الماضي، أعدّ فريق خبراء "الأمم المتحدة" المعني باليمن تقريراً مفصلاً عن بروز اقتصاد حربٍ قوي، ويرى معدو التقرير أن هذه النتيجة غير المتوقعة، تشكل حافزاً رئيسياً لدى المستفيدين والمستثمرين في معاناة الشعب اليمني للاستمرار في الحرب وزيادة المكاسب.
 
ومن هذا القبيل، توسعت ظاهرة "الأثرياء الجدد"، أو ما يطلق عليه اليمنيون بكثرة "لصوص المسيرة" و"تجار الحرب"، ضمن خشبات الانتماء والموالاة للمليشيات الحوثية وتصاعدياً في هرم الصفين الثاني والأول في قيادة الجماعة.
 
إن الحوثية، مسيرة ومليشيات وجماعة وانقلاباً وعصابة حرب ونهب ونفوذ وسيطرة، تكاد تكون في القيمة الأخيرة والتقييم النهائي "صفقة" ملعونة تتشاركها أيادٍ كثيرة وتقف وراءها شراكات عابرة.
 
مجريات ست سنوات كفيلة بالإدلاء بشهادة، أو على الأقل بإفادة، أمام محكمة الرأي العام: إن ما يحدث ليس بمعزل عن كواليس صراع يُدار بأدوات صناعة واستثمار في (الحوثي – الحرب).
 
إنّ الرصد والتوثيق وتركيز الاهتمام والملاحقة، على ممارسات وسياسات الحوثيين القمعية والنفعية والانتهازية واسعة الانتشار والتوطين اليومي، هي مسؤولية تقع في المقام الأول على عاتق اليمنيين أنفسهم. 
 
لكن هذا لا يعفي المنظمات/ المنظمة الدولية من جانبها من المسؤولية تجاه قرارات ومضامين نصوص قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة وميثاق المنظمة وأدبياتها.
 
فرص طائشة!
 
وللأسف، الأوساط السياسية والإعلامية والوسائل المساعدة كالمنظمات وجماعات الضغط والمنصات الحقوقية والإنسانية، فوتت التقرير والمناسبة لتسليط المزيد من الضوء على الرأسماليات الانتهازية الصاعدة بسرعة في أوساط الحوثيين والعصبويات المالية والاقتصادية المتشكلة والمتكاثرة أفقياً وعمودياً؛ على هامش أو في صلب الحرب والأزمة الإنسانية في اليمن، على مدى خمسة أعوام.
 
وبعيداً جداً عن سابقه، جاء تقرير فريق الخبراء للعام الحالي 2020م – مطلع السنة، ورغم استمرار وتفاقم تلك المشكلة، والمؤلف من 207 صفحات، ليركز على سلسلة من قضايا القيادة والسيطرة المحلية، و"على ما يبدو أنه مجرى لا نهائي من السلوك الوحشي الذي اتّسم به عام 2019" بحسب إلينا ديلوجر من معهد واشنطن.
 
وهو ما يعيد طرح السؤال الجوهري: ما أهمية تقارير الخبراء الدوليين، بالنسبة إلى -أو لدى- الأطراف التي تشكل أو تتكتل في الطرف النقيض المقابل للمليشيات الحوثية؛ إذا كانت الآلة الدعائية الإعلامية وقوة الضغط والتخطيط والإدارة السياسية، تتعامل باستسهال ولا مبالاة مع مضامين التقارير، ولا تعكس اهتماماً ووعياً بأهمية ما تورده من شهادات –على قلتها- ترصد ممارسات وانتهاكات الحوثيين وسياساتهم القمعية والاستثمار الوقح في الحرب.
 
تزاوج: التسلُّط/ السُلطة والثراء
 
يقدّم فريق الخبراء، المؤلَّف من خبراء مستقلّين ذوي معرفة متخصّصة، تقريراً سنويّاً إلى مجلس الأمن الدولي بشأن تنفيذ حظر الأسلحة والعقوبات على اليمن، على النحو المفصل في القرارين 2140 (من عام 2014) و2216 (من عام 2015).
 
وبناءً على التقييم في تقرير العام السابق، يوضح التقرير الأخير، في ما له صلة بـ"الحرب الاقتصادية" على حساب الشعب اليمني، و"يفسّر سهولة قيام الحوثيين بشراء مكونات أسلحة معينة"، عدا عن المغزى الذي يثيره التقرير؛ عبر فتح نافذة إلى تتبع "لجوء الحوثيين إلى إجراءات قمعيّة شديدة كآلية للسيطرة"، وتغدو السيطرة المالية وسيلة وغاية معاً.
 
إن مسألة الترابط اللصيق؛ بين سياسات السيطرة والتنفذ والإثراء المستعجل والفجائي، والإجراءات القمعية الشديدة كآلية للسيطرة، تتسق فيما بينها كمعادلة سببية من مقدمات ونتائج.
 
تبعاً لذلك، فإن تشديد القبضة الأمنية (البوليسية البدائية المتوحشة) وإجراءات القمع والتنكيل، تؤخذ سببياً باعتبارها الوسيلة المرعية لدى المليشيات المتسلطة والجماعة الانقلابية المتحكمة إلى تعزيز ومضاعفة مكاسبها وبسط النفوذ وفرض السيطرة.
 
توالدت عن هكذا تزاوج، ريعي ورجعي، بين القمع والتسلط الشديد من جهة والسلطة والمصالح من جهة مقابلة، عصبويات مالية واقتصادية طارئة تتقاسمها الدوائر الضيقة في المستويات القيادية العليا للحوثيين والجماعات المصلحية الدائرة في فلكها.
 
وهي عصبويات انتهازية سريعة البروز، صغيرة ومحدودة العدد، وبالغة الفحش في الثراء المتصاعد وتضخم الأرصدة والممتلكات والأموال.
 
"اللصوصُ المُكبِّرون"
 
تقدِّم حالة المليشيات الحوثية وطفح الأثرياء الجدد، أو ظاهرة الثراء السهل والمستعجل، أمثلة بارزة ومزعجة يصعب تجاوزها أو السكوت عليها، لما تفعله الحرب في المجتمعات المغلوبة المستباحة، مسلوبة الإرادة والحرية والقرار، والمسحوقة تحت أسوأ وأشد أساليب وإجراءات القمع والبطش والتنكيل والعقاب والاستهداف خارج القانون والرقابة والمشروعية، باسم الحرب التي لا يُعلى عليها!
 
راحت تتضخم جيوب وكروش وأرصدة وممتلكات وموجودات، الأفراد محدودي العدد ومحصوري الدائرة واللون، والطفيليات الحوثية الطافحة من قعر المجرى إلى سطح المرحلة المتخمة بالعفونة والعقم.
 
وباتت هذه الظاهرة الانتهازية (الحوثية)، أو ما يمكن تمييزها بتسمية "مهنية" عن جدارة: "اللصوص المُكّبِّرون"،  تستقطب إليها، تحت جنح نظام دولي مائع ومطبخ عالمي/ أممي زئبقي القيم والسياسات: الشركاء، والشركات، والعلاقات العابرة، وقنوات اتصال وتواصل تتجاوز المحلي إلى الإقليمي والدولي (..)، وشراكات (مشبوهة) مع مراكز وعصبويات سياسية/اقتصادية في أماكن بعيدة؛ أو لدى جيوب وظيفية تقع افتراضياً ضمن توصيف الطرف الخصم أو المقابل الضد.
 
ولم يرغب (كما يبدو في السياق المُقل والمتحفظ)، واضعو التقارير الأممية (الخبراء)، في التوسع والتفصيل أكثر في هذا المجال الذي يتسم بالحساسية المفرطة"، حد وصف (مراقب مستقل) لمسارات عمل آليات المنظمة الدولية كما عرَّف عن نفسه.
 
"اقتصاد حرب"
 
قصارى القول في هذا الجزء من القصة والمِلف المفتوح؛ أن الحرب يمنياً يمكن مقايستها في جزء مهم وغير قليل، إلى حرب اقتصادية أو إلى اقتصاد يتقوم ويعتاش ويزدهر على الحرب. (لكن هذا يمتد ويتسع ليشمل، علاوة على الحالة الداخلية في اليمن، المنابع الاقتصادية ومركز صناعة الطاقة والوقود عالمياً في السعودية والخليج، ومتطلبات ديمومة استراتيجية الضغط والابتزاز والنهب المجدول).
 
زمن "الطفيليات الوقحة"!
 
تُخبرك بهذه الاستنتاجات المعطيات المرصودة، والمستفزة للملايين من اليمنيين المدفوعين إلى القاع والفاقة والغارقين في الديون والبطالة والفقر وانعدام الأعمال والوظائف وانقطاع المرتبات.
 
تتنافس الآن الطفيليات (الوقحة) -الحوثية ونظيراتها- في ماراثون اللصوصية: تحسين ومضاعفة مكاسب الاعتياش الانتهازي، على دماء وشقاء ومعاناة اليمنيين تحت ظروف الحرب.
 
وتتعدد أو تتنوع حصالات الكسب الحرام والإثراء غير المشروع: سواءً كسيولة نقدية تتحكم بالسوق وبالسلع الرئيسية والحيوية، أو كأعيان في سوق العقارات والبناء والشركات.
 
كما هو، أيضاً، من خلال الامتيازات -(الاستئثار)- في الوكالات الحصرية للاستيراد، والتحكم بأهم وأخطر السلع الرأسمالية والحيوية، ويظهر هذا بوضوح في سوق الوقود والمشتقات النفطية.
 
خلاصة جانبية
 
ليس موضوعياً أن نختم هذا الفصل من القصة/المِلف، من دون تثبيت حقيقة موجزة جداً وبسيطة جداً: لا يحدث شيء، بعيداً عن مجال المنظمة الدولية والنظام الدولي، أو رغماً عنهما. 
 
ويكاد هذا يعني تماماً "التورُّط والتواطؤ".
 
... للقصة بقية

ذات صلة