دراسة - إلغاء إدارة بايدن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وانعكاساته على المشهد اليمني

  • مركز الإمارات للسياسات | 12 مارس 2021
  • 10:44 2021/03/14

بعد أقل من شهر على إدراج إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب جماعة الحوثي في قائمة الإرهاب، في 19 يناير 2021، أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن أنها رفعت الجماعة من هذه القائمة بصورة رسمية، ابتداءً من منتصف فبراير الماضي، مع إبقاء العقوبات على ثلاثة من قادتها. وهذه الورقة تستعرض السياق الذي جاءت فيه هذه الخطوة الأمريكية، وتبحث في الرسائل التي تبعثها إلى مختلف الأطراف ذات الصلة بالصراع في اليمن، وتحلل نتائج وارتدادات هذه الخطوة على المشهد اليمني.
 
الخلفية والسياق 
 
يأتي قرار إلغاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية في سياق مراجعة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تقوم بها إدارة الرئيس جو بايدن، وتمضي باتِّجاه تبنِّي سياسة تقوم على لعب دور أكبر في المنطقة بالاعتماد على الدبلوماسية وأدوات القوة الناعمة. ووفقاً للمتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، صامويل وربيرغ، (سكاي نيوز عربية، 11 فبراير 2021)، فالولايات المتحدة ستتحرك في كل الملفات في المنطقة، لكن ملف اليمن يأتي على رأس أولوياتها.
 
تقول واشنطن إنها ستمضي في نهج ثنائي المسار يشمل تقديم الإغاثة الإنسانية للشعب اليمني ووقف الصراع من خلال التسوية التفاوضية السلمية، ويقوم المسار الثاني على قناعة بأن الحل العسكري لهذا الصراع غير ممكن، وهي قناعة وصفها بيان وزارة الخارجية الأمريكية بالراسخة، وأكدها المتحدث الإقليمي للخارجية، في مقابلته المذكورة، بقوله: "هذا شيء واضح منذ سنوات". وقد تزامن اتخاذ قرار إلغاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية مع اتخاذ خطوات أخرى كالإعلان عن إنهاء الدور الأمريكي في دعم العمليات الهجومية للتحالف العربي في اليمن، ووقف الدعم الاستخباري، وتعيين تيموثي ليندركينغ مبعوثاً خاصاً إلى اليمن.
 
لكن قرار إلغاء التصنيف لا يرتبط ولم يُتَّخَذ في سياق خطة أمريكية مستقلة ومحددة للتعامل مع الملف اليمني ولخدمتها، على ما يبدو، ووفقاً لتصريحات الرئيس بايدن والمبعوث الأمريكي المعين إلى اليمن ولبيان الخارجية الأمريكية؛ فدور الولايات المتحدة سيقتصر على دعم مبادرة الأمم المتحدة وأي جهود أخرى تُبذل لإنهاء الحرب، وجمع الأطراف المعنية والتقريب بينها.
 
الرسائل التي يبعث بها القرار الأمريكي
 
• بالنسبة للحوثيين، ومن ورائهم حلفائهم الإيرانيين، فقد اعتبروا أن الخطوة الأمريكية اعترافاً بصحة موقفهم ومشروعية الحرب التي يخوضونها، كما علَّق القيادي محمد على الحوثي (تويتر، 12 فبراير 2021)، والأهم أن الخطوة الأمريكية في رأيهم جاءت نتيجة مثابرتهم العسكرية وانعكاساً لتفوقهم الميداني، وأيضاً فإنهم فهموا خطوة كهذه مؤشراً على تساهل الإدارة الأمريكية الجديدة معهم وتحيزها في المقابل ضد السعودية وحلفائها. وعلى أساس هذه الرسائل، عّدَّ الحوثيون قرار إلغاء تصنيفهم منظمة إرهابية انتصاراً لهم وهزيمة لخصومهم، وهي رسائل تُكرِّس لدى الحوثيين الاعتقاد بأن القوة هي مناط كل شيء، وهذا لا يجعلهم فقط أكثر تصلُّباً تجاه جهود السلام وإنما أيضاً يشجِّعهم على التصعيد العسكري.
 
• وبالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة فقد أظهر قرار الإدارة الأمريكية الجديدة وكأن واشنطن لا تأخذ على محمل الجد التهديدات التي يمثلها لهم الحوثيون وإيران من خلفهم، وأنها متساهلة مع هؤلاء. وبرسائل كهذه، فإن القرار يُضفي بعض الفتور على علاقة واشنطن بحلفائها، ويضع هؤلاء في حالة من التوجس والترقب تجاه سياسة إدارة بايدن. ولأن إدارة بايدن تدرك إمكانية وصول مثل هذه الرسائل إلى حلفائها في منطقة الخليج العربي وتعي إحباطهم ومخاوفهم، فإنها من أجل تطمينهم ما برح كبار مسؤوليها، ومنهم الرئيس بايدن نفسه، يؤكدون إدراكهم للأدوار السلبية لإيران والتزام الولايات المتحدة بحماية حلفائها.
 
 
• وفي رسائلها العامة، تترك هذه الخطوة انطباعاً بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تعاني من الارتباك ومن تواضُع قدرتها على فهم الواقع وتقدير الأمور؛ فالمخاوف من تأثُّر الوضع الإنساني بتصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً التي بررت بها هذه الإدارة قرارها، مثلاً، تظل أمراً مبالغاً فيه، وتعكس سوء فهم للحاصل في اليمن؛ إذ إن الحوثيين هم من يتحمل وزر  الأزمة الإنسانية في البلاد؛ فهم لم يتعاونوا بالشكل المطلوب مع الجهود العالمية لمواجهتها، وسبق واتهمتهم الأمم المتحدة وتقرير فريق الخبراء بالتلاعب بالمساعدات الإنسانية والاستيلاء عليها وتحويل وجهاتها، واستخدامها أداةً سياسية بمنحها للمؤيدين أو لاستقطابهم، وعدا ذلك فَهُم اليوم يهددون بهجومهم على مأرب بالتسبب بنزوح أكثر من مليون شخص، حسب تحذيرات الأمم المتحدة. ويُثير التخلِّي عن التصنيف دون الحصول على مقابل مؤكَّد التساؤل حول كفاءة اتخاذ القرار في هذه الإدارة. ويبقى أن قرار إلغاء التصنيف يعطي رسالة بأن بايدن قد يعود إلى سياسة أوباما المترددة والضعيفة، ووفقاً لصحيفة الواشنطن بوست، يَعْتبِر منتقدو بايدن في واشنطن هذه الخطوة مثالاً لما قالوا إنه إعادة تدوير لمستهلكات "الضعف والاسترضاء" التي اتَّسم بها عهد أوباما.
 
تداعيات إلغاء التصنيف على الأزمة اليمنية
 
1. على المسار السياسي
 
يرى عددٌ من المحللين والسياسيين أن إلغاء إدارة بايدن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية خطوة مهمة، أو على الأقل مفيدة، باتجاه الوصول إلى نهاية للصراع في اليمن، وهي وجهة نظر يتشاركها بقوة المبعوث الأممي إلى اليمن الذي عارَض والمنظمة الدولية قرار إدارة ترمب في حينه. وعقب إعلان واشنطن نيَّتها إلغاء التصنيف وتعيينها مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، شهدت الرياض وعدد من عواصم المنطقة حراكاً دبلوماسياً أمريكياً نشطاً، إذ التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى اليمن، كريستوفر هنزل، بالمسؤولين السعوديين واليمنيين والعمانيين، والتقى كذلك بالمبعوث الأممي إلى اليمن، مارتين غريفيث، فضلاً عما قيل عن لقائه برئيس الوفد التفاوضي لجماعة الحوثي في مسقط.
 
وخلال إفادة صحفية في وزارة الخارجية في منتصف الشهر الماضي، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، إن لدى بلاده طرقاً أو قنوات لإيصال الرسائل إلى الحوثيين وإنها تستخدمها بقوة. وتحدَّثت تقارير صحفية أن واشنطن تتعامل مع سلطنة عُمان وقطر بوصفهما قناتين للتواصل مع الحوثيين. وفي مقابلة مع قناة "بي بي آس" الأميركية، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إن الحوثيين سبق ووجَّهوا رسائلَ تشير إلى أنهم مستعدون للقيام بما يلزم من أجل السلام. وأفادت مصادر في صنعاء أن الحوثيين يشتغلون على تعديل أو تطوير مبادرة سلام سابقة لهم، لكن لم يتم التأكد من حيثيات قيامهم بذلك، ولا ما إذا كانوا يحاولون الرد على أي مقترحات قُدِّمت لهم.
 
لكن، وحتى اللحظة، لم يُثبَت أن هذه الخطوة الأمريكية وما تبعها من تحركات انعكست في تقدُّم المسار السياسي. بل على العكس من ذلك، لم تُقابل بردود فعل إيجابية من قبل الحوثيين؛ فهي وبقدر ما فُسِّرت بأنها ترضية لهم، فتحت شهيتهم للحصول على مزيد من التنازلات، وجعلتهم أكثر تصلباً تجاه مسألة العودة إلى المفاوضات. وعلى الرغم من أنهم اعتبروا إلغاء التصنيف خطوة في اتجاه السلام وقالوا إنهم سيتعاطون معها، ومع أي خطوات أخرى، بإيجابية، إلا أنهم اشترطوا لذلك وقف الحرب وفك "الحصار". وفي مؤشر آخر على هذا التصلُّب، أعلن المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، فشل جولة المشاورات الأخيرة بين الحكومة والحوثيين في العاصمة الأردنية عمان بشأن ملف الأسرى والمحتجزين، وهو فشل يعود إلى رفض الحوثيين مطالب شمول الاتفاق محل البحث صحفيين وشخصيات سياسية في سجون الجماعة.
 
2. على المسار العسكري
 
ساهَم إلغاء إدارة بايدن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، بما تركه من حماس لديهم وإحباط لدى خصومهم، في تشجيع التصعيد العسكري، فقد ارتفعت بعدها وتيرة الأعمال القتالية. فبقدر ما اعتبر الحوثيون إلغاء واشنطن تصنيفهم منظمة إرهابية وإعلانها وقف الدعم لحملة التحالف في اليمن انتصاراً لهم، رأوا فيها فرصة لتعظيم مكاسبهم على الأرض، وشجَّعتهم على تكثيف هجماتهم، فقد تزامن الإعلان عن هذه القرارات الأمريكية مع تدشينهم أوسع حملة عسكرية على الإطلاق للسيطرة على مارب، وزادوا من استهدافهم للمملكة العربية السعودية.
 
وربما شعر الحوثيون أن ثمة توجهاً دولياً جاداً للسلام، خصوصاً بعد صدور قرار الاتحاد الأوروبي الذي طالب بانسحاب القوات الأجنبية من اليمن؛ فأرادوا أن يذهبوا إلى طاولة المفاوضات ومارب في حوزتهم، وهم بالتالي أكثر قوة. وبتصعيدهم يريدون أيضاً ترسيخ الاعتقاد الأمريكي بعدم جدوى الحل العسكري، والتسبُّب بمزيد من اهتزاز الثقة الأمريكية بالقدرات العسكرية للسعودية وحلفائها.
 
 
في الجهة المقابلة، وبقدر ما أنهم بحاجة إلى الضغط على الحوثيين لموازنة الاختلال المعنوي الذي تسبَّبت به قرارات واشنطن، وجدت السعودية وحلفاؤها أنفسهم مضطرين للتصدي للتصعيد الحوثي، وهناك اليوم انخراط أكبر لطيران التحالف العربي في المعارك، وتواصل القوات السعودية شنّ هجمات برية وجوية ضد أهداف حوثية في صعدة شمال البلاد، وهي من الجبهات الخاملة التي توقف فيها القتال تقريباً منذ مدة طويلة. وفي تصريح لمندوب السعودية الدائم في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، أكَّد أن الرياض ستستمر في التعامل مع الحوثيين كمنظمة إرهابية وتتصدَّى لتهديداتها بالعمل العسكري، وجدَّد نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان (تويتر، 18 فبراير 2021) التأكيد على دعم المملكة للشرعية اليمنية سياسياً وعسكرياً في مواجهة المليشيات الحوثية في كل الجبهات، وبكل حزم.
 
ما التالي بالنسبة لواشنطن؟
 
لا يبدو حتى الآن أن واشنطن تمتلك خطة للتعويض عن خسارة الورقة التي كان يُمثِّلها تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية لها وللمجتمع الدولي، والتي كان يمكن استخدامها لمساومة الحوثيين والضغط عليهم، ولا يبدو حتى الآن كذلك أن لديها خطة لاستغلال قرار إلغاء التصنيف لخدمة السلام ولخفض التوتر ووقف التصعيد العسكري، حتى بدا قرارٌ كهذا وكأنه ليس أكثر من مبادرة لإثبات حسن النية هدفها تشجيع الحوثيين على التفاوض ليس أكثر.
 
وعلى الرغم من تأكيدها إبقاء أنشطة الحوثيين تحت المراقبة، وإبقاء قادتهم تحت ضغط أمريكي ودولي كبير، وتأكيد نيتها تحديد أهداف جديدة للعقوبات، لا يبدو أن لدى الإدارة الأمريكية إجابة حول ما ستفعله في حال واصل الحوثيون تصعيدهم وتهديدهم للملاحة وتعطيل الحل السياسي، وقد رفض المبعوث ليندركينغ، إيضاح المسارات البديلة التي يمكن اللجوء إليها في هذه الحالات، وهناك شك في أن إدارة بايدن ستذهب حد القيام بما يتطلبه الأمر، وهذا ما يشي به موقفها من استمرار الهجمات الحوثية على مارب، فقد اكتفت بالتنديد بالهجوم، وعدَّتهُ عملاً لا ينم عن الالتزام بالسلام أو بإنهاء الحرب، وطالبت الحوثيين بوقف جميع العمليات العسكرية، ومع ذلك، وبعد بيان كهذا، أكد الحوثيون مواصلة تصعيدهم "حتى تحرير كل شبر محتل"، بحسب تعبيرهم.
 
وما زال من غير الواضح كيف يمكن لواشنطن تجاوُز العائق الذي يفرضه تداخُل الملف اليمني مع الملف الإيراني؛ فإيران لن تسمح أن يكون لقرار إدارة بايدن شَطْب جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب تأثير إيجابي يُليِّن موقف الحوثيين الذين يظلَّون ورقة تفاوضية في طهران، وهي بحاجة إلى استمرار موقفهم المتصلِّب تجاه السلام وإطلاقهم الصواريخ والطائرات المسيرة للضغط من أجل رفع العقوبات عنها.
 
خلاصة واستنتاجات
 
• جاء إلغاء تصنيف الحوثيين في سياق مقاربة أمريكية جديدة للملف اليمني تقول إدارة بايدن إنها تشمل التحرك وفق مسارين: تقديم الإغاثة الإنسانية، والعمل على وقف الصراع من خلال تسوية تفاوضية، وعن طريق دعم جهود السلام الأممية. لكن هذه الخطوة لم تنعكس للآن في تقدُّم المسار السياسي. بل على العكس من ذلك، إذ ساهمت في تشجيع التصعيد العسكري. وأسهمَ في الوصول إلى هذه النتيجة الرسائلُ التي بعثت بها إلى أطراف الصراع، والتي أظهرت واشنطن مُتساهلةً مع الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين ومُتحيزةً ضد السعودية وحلفائها.
 
• ولا يبدو أن إدارة بايدن درست نتائج خطوة كهذه أو توفرت على خطة لضمان خدمتها للمسار السياسي ووقف التصعيد العسكري، ولا أن لديها تصوراً واضحاً حول ما عليها القيام به حال لم يتجاوب معها الحوثيون واستمروا في تصعيدهم ورفضوا الدخول في مفاوضات سلام، ومن الصعب توقُّع الكثير من هذه الإدارة إذا ما مضت في تبنِّي سياسة إدارة أوباما المترددة والضعيفة. وفي الاستنتاج النهائي، تُسهِم هذه الخطوة الأمريكية في جعل المشهد اليمني أكثر تعقيداً، وفي جعل موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أصعب ممَّا كان عليه قبلها.

ذات صلة