مثل سيار عند أهل اليمن، يقول: "كله بغل". مناسبة المثل أن يمنيا لاحظ  تركيا بليدا من جملة الأتراك الذين احتلوا اليمن، كان يركب على عجز البغل، على الرغم من وجود البردعة على ظهر البغل.. لاحظ  صاحبنا أن البغل متعب من هذا الشذوذ، والراكب أيضا متعب، فقال لذلك التركي: لماذا أنت على عجز البغل؟ تتعب نفسك وترهق بغلك، فاركب أينما يركب الناس، على ظهر البغل.. رد عليه التركي البليد المكابر: كله بغل. تذكرت هذا المثل اليمني، لأن واقعة مشابهة حدثت في صنعاء قبل أيام قلائل.. الواقعة سوف تمر بنا عقب هذه المقدمة.

 

فبعد الشكاوى المستمرة التي أظهرتها المنظمات الإنسانية خلال تجربتها المريرة في المحافظات التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية، لجأت هذه الأخيرة إلى طمأنة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية، لتشجيعها على تقديم مزيد من العون الإنساني، فشكلت ما يعرف اليوم بالمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي.. هذا الاسم الطويل مثل شهر الصوم، اختصرته الجماعة إلى كلمة واحدة، هي أيضا غريبة وكثيرة الحروف (سكمشا).

 

ظلت - مع ذلك- شكوى الأمم المتحدة كما هي، إذ كرر مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية، القول إن الجماعة الحوثية تعيق وصول المساعدات الإنسانية، وتنهب الجزء الأكبر منها، وما بقي يتم توزيعه لفئات مخصوصة.. اسندت الجماعة رئاسة المجلس لسيء السمعة عبد المحسن طاووس، فهو فاعل لجهة القدرة على التمييز السلبي، العنصري، والجهوي، بين المواطنين المستحقين للمساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة وسائر الدول القريبة والبعيدة. 

 

لم تكتف الجماعة بهذا، بل قد عزمت على ما هو أبعد.. في الأسبوع الماضي ارسل سكمشا رسالة إلى منظمة الصحة العالمية يطلب منها مثول ممثلها في اليمن أمام محكمة جنوب غرب العاصمة صنعاء.

 

كان المفارقون للجماعة الحوثية يشكون من أنها تحاكم أعضاء في مجلس النوب، وتفصلهم بناء على أحكام قضائية هزلية كم حدث أمس مع 44 عضوا.. الأمر يا اخواننا وصل إلى درجة أن الجماعة تريد محاكمة منظمة الصحة العالمية!

 

سكمشا تطلب من ممثل المنظمة في اليمن المثول أمام محكمة في صنعاء رفعت إليها دعوى ضد المنظمة.. فلا مجلس طاووس سكمشا عرف، ولا قضاة المحكمة أدركوا أن هذا فعل مشين وغبي ومخالف لتشريعات الأرض التي تدور بالجماعة الحوثية المدوخة.

 

يا جماعة.. ميثاق الأمم المتحدة يحمي المنظمة والوكالات والهيئات التابعة لها من أي مساءلة، فما بالكم بمحاكمة؟.. في مادته الخامسة بعد المائة مثلا، يقول ميثاق الأمم المتحدة:  تتمتع المنظمة في إقليم كل عضو من أعضائها بالامتيازات والحصانات التي يتطلبها تحقيق مقاصدها.. وأن يتمتع ممثلو أعضاء الأمم المتحدة.. وممثلو المنظمة أيضا بالامتيازات والحصانات التي يتطلبها استقلالهم في القيام بمهام وظائفهم التي تتصل بالمنظمة.

 

اليمن عضو في الأمم المتحدة منذ عام 1945 تقريبا.. كما أن هناك اتفاقية دولية بهذا الشأن اليمن ايضا طرف فيها.. هذه الاتفاقية قد دخلت حيز النفاذ منذ مارس 1946، وتسمى اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها.. فكل دولة عضو في الأمم المتحدة، أو ستنظم إليها لاحقا تعتبر ملزمة بالاتفاقية، كالتزامها بميثاق الأمم المتحدة، وبكل الاتفاقيات والعهود الدولية التي أصبحت هذه الدولة طرفا فيها، لكن الجماعة الحوثية أصدق منا فهي ليس طرف بحكم أنها عصابة وليس أهل دولة ولا تمثل الدلة.. عصابة تقول لمنظمة الصحة العالمية احضري إلى محكمة جنوب غرب العاصمة لكي تحاكمي!.. شيء غريب لو حدث هذا من دولة، أليس كذلك؟ لكن ليس بغريب حين يأتي من عصابة..  فكله عند العصابة بغل كما قال صاحب المثل.