الحاجة إلى الحياد الإماراتي في الأزمة الأوكرانية

09:03 2022/03/11

باعترافهم أو بالإنكار منهم، يتحمل أعضاء حلف الناتو، والغرب عموما، المسؤولية الأكبر في ما يحدث في أوكرانيا من تدمير وتشريد لشعبها. لذلك فإن محاولة الضغط على الدول التي تسعى لأن تقف على الحياد من الأزمة بهدف إيجاد اختراقات في الموقف السياسي المتصلب، مثل دولة الإمارات التي تترأس هذا الشهر مجلس الأمن الدولي، تعكس في جانب منها رغبة في التهرب من المسؤوليات الأخلاقية تجاه الحليف الأوكراني، الذي يستجدي الغرب ليل نهار للوقوف إلى جانبه، دون أن يجد صدى حقيقيا لمطلبه سوى الوعود والتصريحات.
 
أظهر الغرب بأكمله (الولايات المتحدة وأوروبا) تردده في دعم أوكرانيا، رغم وجود بعدين مهمين في الأزمة يستوجبان منه العمل بجدية أكبر مما هو حاصل الآن. وللبعدين دلالات وفق كل المقاييس الاستراتيجية.
 
البعد الأول: كثيراً ما عمل الناتو على تحفيز رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي وتشجيعه على تحدي روسيا، الدولة العظمى التي تمتلك من الأسلحة والإمكانيات ما تواجه به حلف الناتو نفسه، وليس دولة بحجم أوكرانيا فقط. وهم أيضا كانوا على يقين، وفق معلومات استخباراتية خاصة بهم، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يدخل أوكرانيا غازيا لها، لأنه يدرك معنى الرسالة التي يبعثها الغرب من أوكرانيا والمخاطر التي تترتب عليها تجاه أمنه الوطني.
 
البعد الثاني: أن الغرب بأعضائه الـ27 في حلف الناتو ومعه كل المحللين يدركون ذلك الاعتراف الضمني لما يعرف بـ”الحديقة الخلفية” للدول الكبرى، وفق تقسيمات أيام الحرب الباردة، وأن هناك دولا يعتبر المساس بها أو التقرب منها “شبه محرم سياسياً”، وأن دول الاتحاد السوفييتي السابق، رغم انهياره، تبقى ضمن المناخ الاستراتيجي الروسي، ولكنهم في هذه الأزمة قدموا أوكرانيا ورئيسها بالون اختبار لردة فعل موسكو وبوتين.
 
نكثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ومعها حلفاؤها في الناتو، بما قطعته من عهود أمام الرأي العام العالمي بأنها لن تترك أوكرانيا لوحدها. كما نكثت بالعرف السياسي الدولي بشأن مفهوم الأمن الوطني للدول الكبرى، الذي رسخته أزمة كوبا عام 1962. أيضا، لم يترددوا في استفزاز دولة كبرى أخرى، رغم ما قد يؤدي إليه ذلك من عواقب مدمرة على العالم أجمع، نتيجة لرد فعل متهور قد يصدر عن أي طرف. وكذلك من خلال العودة إلى تقسيم العالم إلى معسكرين، مع أن اللحظة تتطلب مساعي حميدة من دول تتميز علاقاتها بالتوازن بين الخصمين، وهما في هذه الأزمة واشنطن وموسكو.
 
الغرب بسلوكه هذا تجاه أوكرانيا بعث برسائل سلبية إلى كل الجهات في العالم، سواءً في أوروبا الشرقية، ممن يفكرون في التحالف معهم، أو أفريقيا التي باتت ساحة صراع دولي لحلفاء جدد، وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط التي تُراجع سياساتها مع الحلفاء الغربيين بعدما خيبوا آمالهم في العديد من المواقف. من هذه المواقف، الاتفاق النووي مع إيران في مرتين؛ عام 2015 والآن، حيث الإشارات تقول بقرب توقيع اتفاق. وكذلك خابت آمالهم بالحليف الأميركي خلال الأحداث التي عرفت بـ”الربيع العربي”.
 
لقد أضاعت الإدارة الأميركية فرصة تاريخية لتحسين موقفها تجاه ما فعلته مع حلفائها التقليديين في الخروج من أفغانستان في أغسطس الماضي، أو في “الكذبة الاستراتيجية” بسبب غزوها للعراق ومن ثم تداعياتها. بل إنهم أظهروا عجزاً حقيقياً كحلف عسكري عندما صرح أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ قبل أيام بأنهم لن يدخلوا الحرب ولن يرسلوا طائرات أو جنودا إلى أوكرانيا، وكأنهم بذلك يتراجعون عن فكرة الدفاع عن أوكرانيا ولو من باب التصريحات على الأقل.
 
إن الفترة التي مرت بها الحرب الروسية – الأوكرانية تعتبر قصيرة، ولكنها في تفاصيلها، منذ أول يوم لاندلاعها، احتوت من الدروس والعبر السياسية والاستراتيجية والإعلامية ما يعادل عقودا كاملة. وسوء تقدير الغرب والمحللين (ولا أستثني نفسي) لردة فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تكن الحالة الوحيدة. وإنما هناك قصر نظر الرئيس الأوكراني وفقدانه للحكمة في قراءة الموقف الغربي، فتصرف وكأنه هو المعني من حالة الشد والجذب مع الغرب مع أنه كان ضحية، ولم يدرك ذلك إلا بعد تخلي الغرب عنه.
 
كان يمكن، حسب ظني، تلافي تصاعد المواجهة، لو أن الدول الغربية تواضعت قليلاً في التعامل مع الرئيس بوتين، وغلّبت المصلحة العالمية على مصالحها الذاتية، من خلال استحضار التجارب التاريخية في هكذا مواقف على حساب التصعيد والتعنت وتجاهل مصالح الآخرين بدلاً من العمل على إنتاج الأزمات وتوتير العالم، والسعي للضغط على الدول للتخندق معها ضد روسيا التي يبدو أنها كانت تعيش لحظة “الدب الجريح” الذي لا يفكر في العواقب، ولا تخلو مواقفه من التهور.
 
لا يزال الأمل موجودا في قدرة بعض الدول، منها دولة الإمارات وغيرها من دول العالم، على العمل لتخفيف التصعيد وإيجاد مخارج أو اختراقات دبلوماسية وتفاهمات سياسية. فالحياد، في مثل هذه اللحظات، ضرورة استراتيجية، خاصة وأن الإمارات لديها علاقة استراتيجية مميزة مع الطرفين.
 
 
 
* كاتب إماراتي ، العرب