في المسألة الأوكرانية: الطغاة والاغبياء

01:07 2022/03/12

* أسامة توفيق بدر ، مساعد وزير الخارجية المصري وسفير مصر السابق في أوكرانيا (2012-2017)
 
بعد انقلاب ٢٠١٤ في كييف الذي شهدته والذي تم صنعه عبر السفارة الأمريكية والذي أداره شخصيا كل من (نائب الرئيس آنذاك جون بايدن والسناتور جون ماكين وفيكتوريا نولاند مندوبة أمريكا السابقة في الناتو والتي كانت آنذاك مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الأوروبية الآسيوية) وقيامهم بالتردد الدائم علي ميدان الاستقلال بكييف، حيث قاموا عبر السفارة الأمريكية وعملائها الأوكرانيين وعبر عمليات مخابرات ودعاية سوداء، بعزل الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش (25/2/2010 – 22/2/2014) الذي التزم – إدراكا منه لمصلحة بلاده – بالحياد بين روسيا وبين الناتو، وقيامهم بتعيين رئيس حكومة متعصبه للغرب وهو اليهودي الصهيوني “أرسيني ياتسينوك” والذي أدار في البرلمان الأوكراني عملية لقطع كل الصلات مع روسيا من حيث اللغه والثقافه والآداب والتاريخ، رغم وجود ٤٠٪؜ – ٥٠٪؜ من سكان شرق أوكرانيا من أصول روسية ووجود ٧٠٪؜ – ٨٠٪؜ من الروس في شبه جزيرة القرم.
 
وبمجرد صدور قرارات البرلمان الأوكراني تلك وظهور اتجاه الحكومة الجديدة لمعاداة روسيا، قامت الحكومة الروسية بالإيعاز لسكان شبه جزيرة القرم الروس في أغلبهم، بتنظيم استفتاء بطلب العودة للانضمام لروسيا وهو الأمر الذي تم بنسبة ٩٤٪؜ وافق عليه فورا البرلمان الروسي.
 
ثم قام الغرب – غير المدرك لمصالحه الوطنية- والحاكم لأوكرانيا آنذاك بانتخاب الرئيس الملياردير “بيترو بوروشينكو” صاحب مصانع الشيكولاته، والغربي الميول والجنسية لرئاسة الدولة الأوكرانية، حيث استمر بسياساته في الاتجاة غربا وقطع روابطه مع روسيا بل وطالب بغباء بالانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي، وأعلن التعبئة لمواجهة روسيا واستعادة القرم عسكريا، وبعدها مباشرة أعلنت الأغلبيه الروسيه في منطقتي لوغانسك ودونيستك الانفصال وتكوين جمهوريتين مستقلتين.
 
وأذكر هنا أنه صادف آنذاك أن قامت إحدى المحطات التليفزيونيه الأوكرانية بعمل حديث معي أُذيع في عدة قنوات للترويج للسياحة في مصر، حيث سألتني المذيعة عن كيف أرى حل مشكلة القرم؟ فذكرت أن الحل الوحيد اللازم في تقديري هو اتباع العملية السلمية التفاوضية وأن يستقل الرئيس الأوكراني طائرته ويهبط في موسكو ويتحدث مباشرة مع الرئيس الروسي، وذكرت لها أن غير ذلك الإجراء لا طائل من ورائه، لأن أي أطراف أخرى هناك غير أوكرانية وغير روسية ستحاول البحث عن مصالحها.. وكان هذا التصريح يعكس أيضا الموقف المصري تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية وهو الموقف الذي تم الاتفاق عليه مسبقا مع وزارة الخارجية ومع رئاسة الجمهورية.
 
ولكن بروشينكو رفض الحديث مع بوتين بل وقاطعه ولم يرد حتى على اتصالاته، ثم طلب بروشينكو توسيط ألمانيا وفرنسا وأمريكا في النزاع، فرفض بوتين ضم أمريكا للوساطة ووافق علي توسط ألمانيا وفرنسا، ورفض بوتين مناقشة موضوع شبه جزيرة القرم، وتم الاكتفاء بنظر مشكلة دونباس فقط … وإثر ذلك تم التوصل إلى اتفاقيتي مينسك 1 ومينسك 2 وكلتاهما لم ينفذا إلا في نطاق ضيق، كتبادل الأسرى ونزع بعض الأسلحة، حيث رفضت أوكرانيا تطبيق أهم بند فيهما، وهو تعديل دستورها ليسمح للأقليات الروسية بالاحتفاظ بلغتها وتاريخها.
 
وبعد تصميم أوكرانيا على الانضمام إلى الناتو وإمداد الغرب لها بأسلحة نوعية فتاكة، دأبت روسيا بعد 8 سنوات من الصبر على حل الأزمة تفاوضيا وسلميا، وبدأت (فبراير ٢٠٢٢) عملية إعادة السيطرة على شرق أوكرانيا، وقامت قوات روسيا بدخول أوكرانيا، وهي لا تهدف هنا إلى احتلال كامل أوكرانيا، ولكنها عملية بمشرط جراح لها أهداف خاصة وقد قاربت على الانتهاء.. منها:
 
– ضمان “السيطرة على مصادر المياه العذبة للقرم” وهي المياه التي قطعتها أوكرانيا عن القرم منذ حوالي عام، وبالفعل تم الاستيلاء على “مدينة خيروسون” مصدر المياه للقرم.
 
– ضمان وجود تواصل أرضي بين أراضي شبه جزيرة القرم وأراضي الجمهوريتين الروسيتين المنفصلتين وهو ماتم بالاستيلاء على مدينة، ماريوبيل.
 
– ضمان “السيطرة على المفاعلات النووية الأوكرانية” وقد نجح ذلك فعلا.
 
– ضمان حقوق الأقلية الروسية في المدن الكبرى الثلاث شرقي أوكرانيا “خاركوف العاصمة القديمة وكبرى مدن أوكرانيا – دينبروبتروفسكي المدينة الصناعية الكبرى – مدينة أوديسا وميناءها الاستراتيجي” وذلك لكي لا يصبح لأوكرانيا منافذ على البحر الأسود، وكل هذه المدن تقع شرقي أوكرانيا ذو الغالبية الروسية التي يقسمها نهر “دينبرو” فما يقع شرق النهر هو “شرق أوكرانيا” الذي قاربت روسيا من السيطرة عليه.
 
أما “غرب أوكرانيا” فروسيا لا تريده ولن تطالب به، لأن سكانه ليسوا روسا، وهي فقط ستنزع سلاحهم وستجعلها منطقة منزوعة السلاح بين شرق أوكرانيا وبين بولندا (وهي إحدى دول الناتو)
 
الوضع الحالي:
-روسيا حققت معظم أهدافها وستستكمل الباقي منها، وهي تتبع أسلوب عدم التورط في دخول المدن مباشرة، ولكنها تحاصرها وتظل تقصفها وتدمر بنيتها التحيه بالكامل، وعندما يتحقق ذلك تدخلها وحدات الجيش الروسي بدون صعوبة.
 
الخلاصة:
الحرب قاربت علي الانتهاء والرئيس الأوكراني لم يفهم أن لا أحد يمكن له أن يناصره ضد روسيا سوى بكلمات فارغة وقرارات أممية ستُرمى في سلة القمامة، حيث أن رد فعل الغرب كان عبارة عن صناعة حدث إعلامي استخباراتي وصناعة مشاهد إعلامية مرتّبة بهدف التأثير على المشهد العالمي في كل مكان، إلى جانب مقاطعة اقتصادية لن تجدي وسيتم رفعها بعد وقت قصير من انتهاء كل ما يحدث حاليا.
 
وعلينا هنا تذكر أن إيران واقعة تحت الحصار الاقتصادي منذ ٢٠ عاما ومع ذلك لم تتضرر بقوة، وروسيا كذلك ستستفيد من العقوبات بالنظر إلى الارتفاع الشديد في أسعار النفط والغاز.
 
واعتقد جازما أن أوكرانيا ستوقّع على معاهدة تُسلم فيها بطلبات روسيا، بل أن روسيا ستنتظر بغير تعجل.
 
كذلك اعتقد جازما أيضا أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومعه الحزب الديموقراطي هم الخاسر الأكبر، واعتقد أنه لن يتم انتخابه لفترة قادمه نظرا لسوء إدارته للأزمة.
 
وقد استمعت بالصدفة منذ يومين في قناة تلفزيونية إلى صديقي العزيز، يفجيني ميكاتينكو، سفير أوكرانيا السابق في القاهرة مرتين وبينهما سفيرهم في الدوحة، وكان نائبا لوزير خارجية أوكرانيا أثناء عملي هناك، حيث قال عن الغرب “نريد أفعالهم لا أقوالهم، فهم ورّطونا مع روسيا ثم تركونا أمام قوتها وحضورها ونفوذها”.
 
أخيرا أقول، كان الله في عون أصدقائي ومعارفي وكل الأبرياء في أوكرانيا، الذين يعانون من الأعمال العسكرية ومن جهل زعمائهم لمصالح أوكرانيا الوطنية وموقعها الجيو استراتيجي، وجهل كيفية التعامل مع كل ذلك بذكاء وحكمة، لا بغباء وتفريط كما حدث وكما نرى ونتابع.
 
منقول