قصص مآسٍ و"معجزات" - زلزال تركيا.. نصف مدينة كهرمان مرعش "سوِّيَ بالأرض" وصرخات تحت الركام تستغيث

  • النص الفرنسي: آسيا حمزة موفدة فرانس24 الخاصة لتركيا | النص العربي: حسين عمارة
  • 01:20 2023/02/09

يتواصل السباق مع الزمن في مدينة كهرمان مرعش، بجنوب شرق تركيا، من أجل العثور تحت الأنقاض على ناجين محتملين من الزلزال الرهيب الذي ضرب المنطقة وبلغت قوته 7,8 درجات على مقياس ريختر. يحاول سكان المدينة المدمرة التعلق بأهداب الأمل على الرغم من البرد القارس. تقرير موفدتنا الخاصة إلى تركيا، آسيا حمزة.
 
ها هن يجلسن على إحدى الأرائك وسط الأنقاض. تحاول النساء، المترنحات من برودة الجو القارسة، التدفء أمام لهيب نار صغيرة أوقدوها على عجل. تدثرت بعضهن ببطانيات وألحفة. وهن في حالة انتظار. فتيات، وزوجات، وأخوات وأمهات. من حولهن تنشط الحفارات الكبيرة في العمل وسط حطام الصفائح المعدنية والحوائط الطينية المدمرة؛ فهي في سباق مع الزمن، في كهرمان مرعش، بجنوب شرق تركيا، من أجل العثور على ناجين محتملين.
 
 
لم يتبق شيء تقريبا بالقرب من مركز الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 من فبراير/شباط عند الفجر، والذي وصلت حصيلة ضحاياه من القتلى إلى الآن 7000 قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين في تركيا وحدها، وفقا لأرقام وزارة الصحة. وتبدو المباني وكأنما كنستها حرفيا رياح عنيفة ولَّدَها هذا الزلزال. يحاول الرجال المتناثرون في مجموعات صغيرة، العثور أحيانا، باستخدام أياديهم العارية، على ناجين في هذه الأكوام من الخرسانة والخردة المعدنية.
 
أورهان كوسون، عراقي الأصل، أنقذ بالفعل نحو خمسة عشر شخصا من تحت الأنقاض في كهرمان مرعش، في تركيا. © آسيا حمزة / فرانس24
أورهان كوسون، عراقي الأصل، أنقذ بالفعل نحو خمسة عشر شخصا من تحت الأنقاض في كهرمان مرعش، في تركيا. © آسيا حمزة / فرانس24
 
"لم أر شيئا كهذا من قبل في حياتي"
 
"هناك امرأة قابعة تحت الأنقاض. يتواصل صراخها طلبا للإنقاذ" يقول أورهان كوسون، لاجئ عراقي يعيش في كهرمان مرعش، الذي جاء للمشاركة في عمليات الإنقاذ. وهناك العديد من الأطفال والعائلات مكومون تحت الأنقاض. إنها كارثة بمعنى الكلمة. "لم أر شيئا كهذا من قبل في حياتي"
يرتدي معطفا بسيطا مزودا بغطاء رأس أسود، وعلى الرغم من درجات الحرارة التي تقل عن الصفر المئوي، فإن كوسون يعمل بجد لا نظير له. "لقد سوَّى الزلزال نصف المدينة بالأرض. لقد رأيت بأم عيني أطفالا يهوون من المباني العالية على الأرض. كان رعبا حقيقيا. أنا أعيش هنا في هذه المنطقة، وكنت أمشي في الشارع عندما رأيت المباني تتمايل يمنة ويسرة".
 
 
في #كهرمان_مرعش، ليس بعيدا عن مركز الزلزال الثاني # زلزال في # تركيا، سقطت المباني وكأنها بيوت من ورق.
 
ومع ذلك، لم يتردد لحظة هذا الرجل الأربعيني ذو اللحية السوداء في مد يد العون. "شرعت في مساعدة الناس وأنقذت بالفعل 15 شخصا. لكن الأمر كان في غاية الصعوبة لبقية الضحايا. نحن بحاجة إلى مساعدات إنسانية ومجموعات كبيرة من المتطوعين لنجدتنا. فالمدينة واسعة للغاية. وهناك العديد من الأحياء المتضررة" يقول بإصرار واضح أورهان الذي فر من الحرب في العراق.
 
 
^ #كهرمان_مرعش على الرغم من جهود فرق الإغاثة، فهي لا يمكنها إخراج عائلة بأكملها من تحت الأنقاض في الوقت المناسب. فالأنقاض يتم رفعها بعناية فائقة.
 
وفجأة، قام بعض الرجال الذين كانوا يعملون على سطح مبنى مدمر، على الجانب الآخر من الأرض الموحلة ، بإنزال ما تبقى من السطح الأردوازي الأحمر المموج. ونزلوا وهم يحملون بطانية تتدلى منها أقدام أحد الضحايا. يضعون النقالة الموقتة على الأرض، على بعد أمتار قليلة من المكان، ويغطونها بملاءة بيضاء. بعد بضع دقائق، يضعون بجانبها واحدة أخرى.
 
للمزيد :
 
وعلى الرغم من تصميمهم الواضح على إنقاذ الضحايا، فهم حتى الآن لم يقوموا إلا بإخراج جثث عدة أفراد من العائلة نفسها من تحت أنقاض شقتهم. ثم سمعنا صرخة مدوية. مليئة بألم يجمد الدماء في العروق. كانت صرخة امرأة رفعت لتوها الملاءات البيضاء عن بعض الضحايا. راكعة أمام الجثث التي تعرفت فيها على أفراد عائلتها. في هذا المكان، تم العثور على 18 جثة اليوم فقط.
 
امرأة واقفة أمام جثث لأفراد أسرتها، تم انتشالها من تحت الأنقاض في كهرمان مرعش، 7 فبراير/شباط 2023. © جولي دونجل هوف/فرانس24
امرأة واقفة أمام جثث لأفراد أسرتها، تم انتشالها من تحت الأنقاض في كهرمان مرعش، 7 فبراير/شباط 2023. © جولي دونجل هوف/فرانس24
 
خارجة من تحت الأنقاض
 
لكن عمال الإنقاذ يرفضون الاستسلام. فعلى الرغم من البرد القارس ودرجات الحرارة التي تواصل هبوطها، يواصلون التحقق من كل المباني مبنى مبنى. "هل هناك من أحد يسمعني هنا؟" يصرخ بصوت عال أحد المنقذين، الذي ثبت سماعة صوت فوق رأسه. وتحت الأنقاض، يلتقط صوتا ضعيفا، يحرك الرجل الميكروفون في يده داسًّا إياه سنتيمترا تلو الآخر في بحثه اليائس عن صدى الصوت.
 
 
^ #كهرمان_مرعش في بعض الأحيان تحدث المعجزات، مثل معجزة تلك المرأة التي خرجت حية من تحت الأنقاض.
 
مع حلول الليل سريعا على كهرمان مرعش، يضاعف رجال الإنقاذ من مجهوداتهم. هم بحاجة ماسة إلى أغطية. فبعد ساعات من العمل الشاق ولكن الدقيق، تمكنوا أخيرا من انتشال امرأة لم يتعرفوا عليها إلا من صوتها فقط. وهنا أضاء وجه أورهان كوسون. فقد حدثت المعجزة. مغطاة بالغبار، يضعونها سريعا على نقالة برتقالية. صراخ ودموع... فرحا هذه المرة. صراخ أخيها وزوجها اللذين كانا يترقبان إنقاذها وملؤهما الخوف. محاطان بكل هؤلاء الجيران الذين جاءوا لتخليد هذه اللحظة بهواتفهم الذكية. فكل شخص يتم إنقاذه يتجدد الأمل، مهما كان ضئيلا، بإنقاذ آلاف العائلات الأخرى.
 
أخ وأخت تلك المرأة المدفونة كان أملهما كبيرًا في الله. © جولي دونجل هوف/فرانس24
أخ وأخت تلك المرأة المدفونة كان أملهما كبيرًا في الله. © جولي دونجل هوف/فرانس24
 
بيد أن لم الشمل يتعين عليه الانتظار قليلا. فعلى سيارة الإسعاف نقل المرأة التي تم إنقاذها بمعجزة إلى أقرب مستشفى. وصفير سيارة الإسعاف القادمة لنقلها يضخمه حفل أبواق سيارات الطوارئ الأخرى التي يتردد صداها في جميع أنحاء المدينة.
 
^

 

ذات صلة