الحوثي ومحاولة إعادة تشكيل "حاشد" على مقاسه

06:01 2023/08/21

ارتبط دور وحضور قبيلة حاشد في تاريخ اليمن الحديث بثورة 26 سبتمبر ومواجهة النظام الإمامي، حيث برز عدد من رجالات قبيلة حاشد الذين شاركوا الثوار أغلب مواقف النضال اليمني ابتداءً من إسقاط نظام الأئمة الكهنوتي أو ما تلاه من أحداث ومواقف قيام الجمهورية اليمنية، وكان أبرز هؤلاء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والعميد مجاهد بن يحيى ابوشوارب والشيخ حمود حمود يحيى عاطف.

وبالتأكيد سنتفاوت في تقييم تلك الأدوار التي لعبتها حاشد ورموزها عبر العقود الماضية، لكن في كل الأحوال وفي تقديري فإن هذا الثلاثي نجح في إدارة وقيادة القبيلة ودمجها ضمن الدولة وجعلها عاملاً مساعداً ومسانداً لتثبيت ركائز النظام الجمهوري والوحدة اليمنية.

كانت أعين السلاليين ومخلفات الإمامة تراقب الوضع عن كثب وتدرس تفاصيل قوة القبيلة ومكامن ضعفها، وتنتظر اللحظة المناسبة للإنقضاض على القبيلة أولاً ثم اسقاط الدولة والنظام الجمهوري تالياً.

نقطة التحول

استطاعت العقلية السلالية أن تعرف ابرز مكامن قوة قبيلة حاشد والتي تمثلت في وحدتها القيادية وارتباط تلك القيادة المتمثلة في الثلاثي (الأحمر وعاطف وأبوشوارب) بقاعدتها الجماهيرية القبلية، حاولت السلالة الإمامية بمختلف الوسائل إسقاط تلك الرمزية القيادية، وتسللت الأفاعي السلاليه إلى عقر دار ذلك الثلاثي الرائع واستخدمت خطة (الكُمُون المرحلي) والإقتراب أكثر لفهم أساليب الإدارة المتبعة من قبل تلك القيادة حتى جاءت لحظة التحول المنتظرة.

في نوفمبر من العام ٢٠٠٤ حادث مروري مؤسف أودى بحياة العميد مجاهد بن يحيى أبوشوارب في الطريق الرابط بين محافظتي عمران وصنعاء ليُعلن عن رحيل أول قيادات قبيلة حاشد، بعد مرور ثلاث سنوات فقط وتحديداً في ديسمبر عام ٢٠٠٧ أعلن عن رحيل شيخ مشائخ قبيلة حاشد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في الرياض إثر مرض عضال ألم به ليلتحق برفيق دربه العميد مجاهد ابوشوارب، لتعيش قبيلة حاشد فصلاً جديداً تحت قيادة جديدة تمثلت في الشيخ صادق بن عبدالله الأحمر، لكن الأحداث في اليمن من بعد تلك المرحلة كانت تدخل "نفقاً مظلماً" كما تنبأ بذلك الشيخ عبدالله الأحمر قبل عام من رحيله، حيث ازدادت التجاذبات والاستقطابات السياسية لرجالات القبيلة بسبب الصراعات السياسية التي كانت قائمة في ذلك الوقت مما ساهم في إضعافها رويداً رويداً.

مرحلة مفصلية

في العام ٢٠١١م وإثر اندلاع ما عرف بثورة الشباب السلمية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، انحازت قبيلة حاشد ممثلة في قيادتها الشيخ صادق بن عبدالله بن حسين الأحمر إلى صفوف الانتفاضة المطالبة بالتغيير، تسبب ذلك الموقف والقرار بحدوث انشقاقات داخل قبيلة حاشد التي كان الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح محسوباً عليها، الأمر الذي ساهم وساعد السلاليين في تسريع عملية إسقاط القبيلة قبل إسقاط مؤسسات الدولة لمعرفتهم أن ما بعد إسقاط القبيلة سيكون سهلاً عليهم، مستغلين حالة الانقسام السياسي والمكايدات بين النخب السياسية التي كانت تقود البلد في تلك المرحلة.

مرحلة الوقيعة والخديعة

دخلت اليمن ما بعد ٢٠١١ مرحلة تشظي واشتغلت الأيادي السلالية الإمامية بشكل أكبر واستخدمت كل أوراقها من أجل تسريع عملية إسقاط النظام الجمهوري وعودة الملكية عبر مليشيات الحوثي، فيما كان الشعب منشغلاً بأحداث ثورة الشباب كانت البندقية السلالية الحوثية قد أسقطت محافظة صعدة وأجزاء من محافظتي الجوف وعمران مستغلة تلك الصراعات السياسية والانقسامات الحاصلة.. توزعت أدوار السلاليين فريق يحاور في صنعاء ومجاميع تتمدد على الأرض من الشمال باتجاه العاصمة صنعاء.

وصلت مجاميع المليشيات الحوثية بترسانتها العسكرية التي كانت قد استحوذت عليها من المعسكرات التي سيطرت عليها في محافظة صعدة بالإضافة إلى الدعم الإقليمي من إيران وغيرها وتحركت لإسقاط قبيلة حاشد مطلع العام ٢٠١٣ حيث اندلعت أول المعارك العنيفة بين الحوثيين وقبائل حاشد في منطقة "عذر" و"دنان" ومن ثم امتدت إلى "خيوان" و"حوث"، عام كامل وقبيلة حاشد تخوض منفردة صراعاً مريراً مع الحوثيين الجناح العسكري للإمامة فيما كانت بقية المحافظات تتابع مؤتمر الحوار الوطني وما نتج عنه من قرارات واتفاقات، ولم يكن أحد مهتماً بما يجري في أطراف قبيلة حاشد، لا رئاسة ولا دولة ولا جيش .

في ٣ فبراير ٢٠١٤م استطاعت المليشيات اسقاط مدينة حوث وتفجير منزل الشيخ حسين بن عبدالله الأحمر، بعد أن شاهد وجهاء قبائل حاشد وتحديداً قبائل بني صريم وخارف المناطق التي تلي حوث تخاذل بل تماهي الرئاسة والدولة والجيش في الصراع مع الحوثيين عقدوا صلحاً عرف فيما بعد بـ"وثيقة الخط الأسود" والتي قضت بالسماح لمليشيات الحوثي بالمرور نحو صنعاء وايقاف المواجهات بين الحوثيين وقبيلة حاشد التي استمرت ما يقارب عاماً كاملاً.

التضليل الإعلامي

تمتلك السلالة الإمامية آلة إعلامية كبيرة وعقلية متمرسة تفهم النفسية اليمنية وتعرف خصائصها، عملت السلالة على ضخ إعلامي كبير ساهم في تضليل الشعب اليمني وإخفاء الحقائق وتزويرها لتمرير مشروعها الطائفي الانقلابي القذر.

في مارس ٢٠١٤ عُقد اجتماع بقاعة فندق إيجل بالعاصمة صنعاء أداره القيادي السلالي حسن زيد وضم مجموعة من شباب حاشد كان أبرزهم ثلاثة ممن ستستغلهم المليشيات الحوثية في عملية التضليل الإعلامي الكبير.

الشاب ياسر فيصل محمد الوصي (أو ما عرف بعد ذلك بإسم ياسر الأحمر) ، وهو من مواليد العام ١٩٨٢ بمنطقة "الخمري" مدينة حوث، عاش مع والده هناك إلى نهاية التسعينات قبل أن يغادرا حوث متجهين إلى محافظة صعدة إثر خلاف على أرض زراعية مع أشخاص ينتمون إلى أسرة آل الأحمر، ليتم استقطابه من قبل الحوثيين وإخراجه إلى الرأي العام ووسائل الإعلام منتصف العام ٢٠١٤ تحت مسمى الشيخ ياسر الأحمر والذي اتاحت له المليشيات مساحة واسعة من إعلامها وتسويقه كشيخ قبلي من آل الأحمر قبل أن تعينه المليشيات قائداً للواء ١٣٥ مدرع برتبة عقيد، لتتخلص منه ومن خدماته ولقبه فيما بعد في ٢٦ ديسمبر ٢٠١٧ حيث قُتل إثر غارة لطيران التحالف في محافظة الحديدة.

نفس الأسلوب اتخذته المليشيات مع زميله الآخر الشاب صادق عبدالله محمد أبوشوارب (والذي عرف فيما بعد بالشيخ صادق أبوشوارب) شاب من مواليد ١٩٧٨ بمنطقة "بلسن" مديرية ذيبين ، بعد تخرجه من جمهورية العراق عمل ضابطاً في جهاز الأمن السياسي لفترة من الزمن قبل فصله بقرار من رئيس الجهاز آنذاك اللواء غالب القمش، الأمر الذي كان سبباً في ارتمائه بأحضان المليشيات والظهور كثائر ومُنَظّر عبر قنوات الحوثيين الذين كلفوهم بإنشاء ما سمي "الطلائع الثورية بمحافظة عمران" وتعيينه عضواً في اللجنة الثورية تحت قيادة محمد علي الحوثي قبل أن يتم إزاحته وسجنه بمحافظة صعدة لعدة أيام وإخباره "أنهم لم يعودوا بحاجته" كما أفاد أحد أقاربه الذي يتهم المليشيات أنها استنفدت خدمات صادق، ليتحول إلى معارض لهم خلال السنتين الأخيرة.

الشاب الثالث المثير للجدل عبر وسائل التواصل هو أمين عبدالله يحيى ظافر (والذي عُرف فيما بعد بإسم أمين عاطف) شاب من مواليد ١٩٧٥ بمنطقة "السنتين" مديرية خمر، ضابط خريج كلية الدفاع الجوي الدفعة ١٢ وعمل مساعداً لمدير أمن مديرية خمر بعد تخرجه بسنوات قبل أن يتم ايقافه عن العمل بسبب سرقته طقم إدارة أمن المديرية، الأمر الذي تركه عاطلاً عن العمل مما سهل استقطابه وتسويقه من قبل المليشيات كشيخ قبلي قبل أن تعينه عضواً في مجلس الشورى ورئيساً ل اللجنة الاقتصادية في المجلس، اتاحت له الجماعة مساحة كبيرة في وسائل إعلامها ليمارس عملية التضليل والإدعاء بأنه نجل الشيخ القبلي الراحل حمود حمود عاطف، وأحد أبرز شيوخها، واستمرت عملية التضليل الإعلامي حتى الأسبوع الماضي حيث استغلت مليشيات الحوثي وفاة الشيخ القبلي مبخوت المشرقي واجتماع القبائل للعزاء بعد رحيله، استغل أمين ظافر صور الاجتماع لتسويق نفسه شيخاً لمشائخ حاشد بدلاً عن الشيخ حمير بن عبدالله الأحمر، الشائعة روجت لها وسائل إعلام المليشيات وجماعة الإنتقالي وبعض مشاهير الفيسبوك وتويتر الذين لازالوا لم يعرفوا بعد حقيقة ألاعيب السلاله الإمامية والتي تسعى بمثل هكذا ممارسات وتضليل لتشويه نضالات قبيلة حاشد والعمل على تمزيق النسيج المجتمعي القبلي ليسهل عليها بعد ذلك السيطرة الكاملة على القبائل .

فيما يرى آخرون أن الغرض من تمرير الشائعه الأخيرة المتضمنة "تنصيب أمين عاطف شيخاً لحاشد" خوف المليشيات من عودة قبيلة حاشد من جديد للواجهة والمواجهة بعد قيادة الشيخ حمير بن عبدالله بن حسين الأحمر لها والذي يحظى بتأييد والتفاف قبلي كبير، فيما تتوقع بعض المصادر "قيام المليشيات بتصفية أمين ظافر والتخلص منه وإلصاق التهمة بآل الأحمر" بهدف زرع فتنة بين القبائل وإظهار تلك الحادثة على أنها "ردة فعل" من آل الأحمر وقبائل حاشد تجاه الممارسات التي يقوم بها أمين ظافر.