"جزاء سنمار" بنسخته اليمنية.. حكاية المنظمات والحوثيين
- خاص - الساحل الغربي:
- 04:33 2025/10/21
تصاعدت خلال الأيام الأخيرة اتهامات متبادلة بين جماعة الحوثي والمنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرتها، بلغت ذروتها عندما وجّهت الجماعة تهماً بالجاسوسية إلى عدد من العاملين في المجال الإنساني.
الصحفي والناشط السياسي رشاد الصوفي تناول هذه القضية بتغريدة على منصة X، اتّهم فيها الحوثيين بانتهاج سياسة “جزاء سنمار” مع تلك المنظمات، التي –على حدّ وصفه– كانت من أبرز من قدّم لهم خدمات سياسية ولوجستية، قبل أن تُكافأ باتهامات أمنية قاسية.
يقول الصوفي إن المنظمات الدولية العاملة في اليمن كانت "أكثر من خدم الجماعة"، إذ سلّمت المساعدات الإنسانية المخصصة للفقراء إلى الحوثيين، الذين حوّلوها إلى أداة ابتزاز وحشد بشري نحو جبهات القتال.
وأضاف أن سيارات تلك المنظمات كانت تُستخدم أحياناً لنقل قيادات حوثية بين المحافظات "خشية الاستهداف"، وأن الجماعة فرضت تحويل المساعدات من عينية إلى نقدية لتسهيل التحكم بها، وهو ما تمّ وفق رغبتها.
واتهم الصوفي المنظمات بالتغاضي عن تجنيد الأطفال الذي تمّ على مرأى ومسمع منها، دون أن يصدر عنها أي بيان إدانة أو تحرّك إنساني واضح؛ بل ذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن بعض المنظمات تحوّلت إلى "مرشدين أو مخبرين" لصالح الحوثيين في بعض المناطق المتنازع عليها، بحكم طبيعة عملها الميداني.. ورغم حدة الاتهام، أوضح الصوفي أن إثبات ذلك يتطلب تحقيقات مستقلة وشفافة.
وفي تطوّر مفاجئ، أشار الصوفي إلى أن الحوثيين بدأوا باتهام تلك المنظمات بالجاسوسية، وبأنها "رفعت إحداثيات" لمواقع وتحركات قياداتهم التي قُتلت مؤخراً؛ ووصف هذا الاتهام بأنه "مكافأة" لتلك المنظمات بعد سنوات من خدمتها للجماعة، في تجسيد حيّ لمبدأ "جزاء سنمار" – حين يُكافأ الإخلاص بالنكران.
واعتبر الصوفي أن سلوك الحوثيين يعكس ازدواجية خطيرة ومخططاً ممنهجاً يرمي إلى تبرئة أذرع الجماعة الأمنية والسياسية، وإلقاء اللوم على الآخرين، مهما كانوا.
كما أشار إلى أن بعض المنظمات، رغم انحيازها الواضح أو وقوعها تحت الضغط، تبقى بعيدة عن التورّط المباشر في أي أعمال عسكرية قتالية أو تجسسية، مؤكداً أن القضية تحمل أبعاداً سياسية أكثر من كونها أمنية.
يبرز هنا أن العلاقة بين الحوثيين والمنظمات الدولية كانت في جوهرها علاقة مصلحة متبادلة، لكنها تحوّلت بمرور الوقت إلى علاقة ابتزاز متبادل.. ففي حين استفاد الحوثيون من الغطاء الدولي لتثبيت سلطتهم بالقوة والقمع، وجدت بعض المنظمات نفسها عالقة بين واجبها الإنساني وضغوط الواقع الأمني والسياسي.
ومع اتساع الصراع، تحوّلت هذه العلاقة إلى سلاح سياسي تستخدمه الجماعة لتصفية حسابات داخلية وتبرير فشلها أو خسائرها الميدانية.
اختتم الصوفي بالتأكيد على أن جماعة الحوثي طبّقت بحق تلك المنظمات الدولية مبدأ "جزاء سنمار" فعلياً، مؤكداً أن مصير العاملين المحتجزين لن يختلف عن مصير أبناء تهامة التسعة الذين أُعدموا بعد اتهامهم زوراً بمقتل صالح الصماد.
ودعا إلى تحقيقات مستقلة وشفافة تكشف ملابسات ما جرى، وتضمن حماية العاملين في المجال الإنساني من التهم الملفقة، وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن التسييس والاستغلال.
تُظهر الأحداث أن “العمل الإنساني” في مناطق سيطرة الحوثيين صار رهينة مثل سائر البلاد.. الموظف الإنساني يعمل تحت كاميرا الأمن الوقائي، والناشط يخاف من تغريدة، والمنظمة تحسب عدد أنفاسها قبل كل بيان؛ أما المواطن اليمني، فيبقى الخاسر الوحيد، عالقاً بين كماشة القمع الحوثي وصمت المنظمات وخذلان المجتمع الدولي.
يمكننا تلخيص المشهد بجملة الصوفي الساخرة المضمّنة في المعنى:
المنظمات خدمت الحوثيين لسنوات، فاتهموها بالتجسس؛ تماماً كما بنى سنمار القصر، فقُطعت رقبته كي لا يبني مثله لغيرهم.
