لماذا تحاول واشنطن استدراج اليمن إلى خطة ترامب الجديدة؟
خاص - الساحل الغربي:
12:57 2025/11/20
يُظهر المشهد الدبلوماسي في الشرق الأوسط، كما يتبدّى من التحركات الأميركية الأخيرة، محاولة لإعادة إنتاج خرائط القوة عبر "إدارة الأزمة" بدلاً من حلها، وهي المقاربة التي ميزت السياسة الأميركية منذ بدايات ما يسمى "الحرب على الإرهاب".. لكن الجديد اليوم هو لجوء واشنطن إلى دول مثقلة بصراعات داخلية –كاليمن– لا بوصفها أطرافاً فاعلة، ولكن بوصفها أجزاء قابلة للدمج في هندسة أمنية يراد لها أن تمنح الخطة الأميركية في غزة غطاءً عربياً.
فخلف الأسئلة التكتيكية التي تُطرح حول "مشاركة" اليمن في قوة دولية داخل غزة، تكمن معضلة سياسية أعمق: ما الذي يعنيه أن تُستدعى دولة لم تستكمل بعد شروط الدولة المستقرة، للمساهمة في قوة تُفترض بها صيانة أمنٍ إقليمي؟
المعلومات التي تكشفت عن فتح واشنطن قنوات تواصل مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تشير إلى طلب مباشر بدراسة انضمام اليمن إلى قوة دولية يجري إعدادها للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
لكن التريث اليمني لم يكن مسألة "تفكير" في العرض، بقدر ما هو إدراكاً لمحدودية القدرة؛ «فالدولة التي لا تحتكر أمنها الداخلي ولا تتمتع به لا تستطيع أن تمنح الآخرين أمنهم».
هذا الوعي –المعلن بعبارات دبلوماسية على لسان مسؤولين حكوميين وعسكريين– يشي بأن اليمن يقارب الموضوع بميزان مزدوج: خشية من الانخراط الميداني في بيئة معقدة مثل غزة، ورغبة في ألا يظهر خارج الإجماع العربي المحتاط من الخطة الأميركية.
وبينما لم تتلق الحكومة طلباً أميركياً رسمياً بعد، إلا أن مجرد إدراج اليمن في قائمة الدول "القابلة للاستدعاء" يكشف عن تصور أميركي لطبيعة النظام العربي في زمن الفوضى:
أنظمة منشطرة، وسيادات غير مكتملة، وأدوار يُعاد هندستها وفق احتياج القوة الأعظم، لا وفق قدرات الدول ذاتها.
المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار –وفق مقاربة إدارة ترامب– لا تسعى لتثبيت وقف القتال بقدر ما تسعى لتثبيت "نظام إدارة" داخل غزة، يكون الطابع الدولي فيه غطاءً لسياسة أميركية أحادية.
لكن هذا المسار يواجه معضلتين:
الأولى - رفض القوى الفلسطينية لأي قوة "متعددة الجنسيات" تشارك في ضبط القطاع، خشية أن تتحول إلى امتداد لإدارة أمنية لا تعبّر عن إرادة السكان.
والثانية - تردد الدول العربية، التي تدرك أن الوجود العسكري في غزة سيجعلها طرفاً في نزاع لا تملك التحكم بمساراته.
هذا ما يجعل واشنطن تبحث عن مشاركة "رمزية" – لا عبء فيها ولا خطر سياسي كبير– تمنح الخطة شرعية شكلية دون التزامات فعلية.. وهنا يصبح اليمن، رغم ظروفه، جزءاً من "الحصة الرمزية" التي تسعى واشنطن لتجميعها.
موقف اليمن، كما يبدو حتى اللحظة، محكوم بثلاثة حسابات:
الأول - سيادة منقوصة بفعل الانقلاب الحوثي، وهو ما يجعل أي قرار خارجي عرضة للتأويل الداخلي.
الثاني - أولوية إعادة بناء الدولة، وهو ما يجعل المشاركة في قوة دولية في غزة تبدو رفاهية سياسية لا تملكها الحكومة.
الثالث - الحاجة إلى الحفاظ على علاقة متوازنة مع واشنطن، دون الانخراط في مغامرة قد تُستثمر داخلياً ضد الشرعية نفسها.
هنا تتجلى إشكالية الدولة اليمنية: فهي بحاجة إلى دعم دولي يعيد توازنها الداخلي، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع التورط في تحالفات عسكرية خارجية تُفقدها ما تبقى من توازن هش.
تبنّي مجلس الأمن للقرار 2803 –بتأييد 13 دولة وامتناع روسيا والصين– أعطى واشنطن أوراقاً إضافية.. لكن هذا القرار، الذي يدعم الخطة الأميركية ذات البنود العشرين، لا يعكس إجماعاً دولياً بقدر ما يعكس تفويضاً محدوداً يسمح لواشنطن بتحريك القوة الدولية دون معارضة حادة.
ومع ذلك، فإن تحويل هذا القرار إلى قوة ميدانية يتطلب موافقات سياسية من الدول المرشحة للمشاركة، وهنا تظهر مشكلة واشنطن: (الدول القادرة ليست راغبة، والدول الراغبة ليست قادرة).
حتى الآن، يبدو أن اليمن يتجه نحو موقف "تريث محسوب"، ينتظر وضوح تفاصيل القوة الدولية:
هل ستكون قوة مراقبة؟
قوة فصل؟
أم قوة ضبط أمني؟
لكن الأهم من ذلك أن اليمن يدرك أن مشاركته –إن حدثت– ستكون سياسية أكثر منها عسكرية، وأنها قد تتحول إلى ورقة تُستخدم في سياق العلاقات مع واشنطن لا في سياق حل الحرب في غزة.
تكشف هذه القضية شيئاً أبعد؛ إنها تكشف عن موقع اليمن في الإقليم: دولة تبحث عن إعادة بناء ذاتها بينما القوى الكبرى تريد أن تدمجها في هندسة أمنية لا تمثلها.
وهنا تكمن المفارقة:
تُستدعى دولة لم تستعد سيادتها بعد للمشاركة في مشروع دولي يراد له أن يعيد تعريف السيادة في غزة.
وفي هذا التناقض يظهر اليمن، مرة أخرى، لا كفاعل كامل، ولكن كدولة يُعاد اختبار حدود دورها في لحظة إعادة تشكيل الخرائط.