كيف استفرد الحوثيون بالجبهات بعد اتفاق ستوكهولم؟ - (تقرير خاص لمنبر المقاومة)

  • الساحل الغربي - خاص - عصام العامري
  • 12:00 2020/03/09

فيما يبدو اجماعا شعبيا تجاه بنود اتفاق ستوكهولم والتصعيد الحوثي المستمر وخروقاتهم، تعالت في الآونة الأخيرة الأصوات المطالبة بإنهاء الاتفاق الذي كبح جماح القوات ‌‌‏‌‏‌‏‌‏المشتركة من تحرير مدينة الحديدة وموانئها الاستراتيجية.
 
وأثارت سيطرة الحوثي الاسبوع الماضي على مركز محافظة الجوف بعد شهر من سيطرتهم على مديرية نهم شرق العاصمة، حفيظة الكثير من المراقبين السياسيين، الذين ارجعوا الانتكاسات الأخيرة كتداعيات لاتفاق الحديدة. 
 
ومثّل تصعيد مليشيا الحوثي باتجاه محافظة الجوف الضربة الأعنف في ‏خاصرة القوات ‏الحكومية، بعد تلقيها سلسلة ضربات ابتداء باجتياح الحوثيين لمديريات حجور في محافظة حجة، مرورا بمديرية كتاف الحدودية وصولا لمديرية نهم شرق العاصمة صنعاء. 
 
فاستغلال المليشيات لاتفاق الحديدة الذي أوقف تقدماً سريعاً للقوات المشتركة وتحرير ‏مديريات ومناطق بالساحل ‌‏الغربي ‌‏‌‏وصولاً إلى مناطق واسعة داخل مدينة الحديدة وعلى ‏مشارف مينائها، دفع الكثير من الأصوات الشعبية والنخبوية للمطالبة بإنهائه، فضلا عن تلويح الحكومة اليمنية بالانسحاب ‌‏من الاتفاق ‏معتبرة انه مشكلة وليس حلاً.‏ 
 
تصعيد المليشيات ‏ 
 
ومنذ الإعلان عن اتفاق الحديدة اواخر العام قبل الماضي، لم تتوانى مليشيات الحوثي في استغلاله بغية تغذية معاركها العبثية في الجبهات واستخدامه كغطاء للبت في إعادة ترتيب صفوفها وتحشيد ‌‏مقاتليها وتلقي ‏الأسلحة المهربة من إيران عبر موانئ الحديدة المصدر ‌‏الأساسي ‌‏‌‏للتمويل المالي وتزويد الميليشيا بالسلاح والنفط ‏الإيرانيين. 
 
اذ تمكنت المليشيات الحوثية مؤخرا وبعد مرور عام ونصف من توقف المعارك الضارية في ‌‏الحديدة -التي خففت الضغط عليها- من تحشيد المقاتلين وعد العدة، ورفد جبهات القتال المختلفة كلا على حدة في محاولة لتوسيع رقعة سيطرتها والتهام المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية. 
 
ففي محافظة الجوف النفطية، كثفت مليشيا الحوثي من عملياتها العسكرية لأكثر من شهر ونصف في أعنف هجمات واسعة على محافظة الجوف من ثلاثة محاور، ليفضي الحال الى إسقاط جبهات المحافظة والسيطرة على مدينة ‏الحزم ‏بعد أربع سنوات من سيطرة القوات الحكومية.‏ 
 
وتسببت سيطرة الحوثيين على أحد اهم المحافظات اليمنية، بحالة استياء شديد في الأوساط الشعبية والنخبوية، لا سيما في استمرار الحوثيين في تصعيدهم المستمر، في محاولة على ما يبدو لإسقاط محافظة مارب. 
 
سقوط محافظة الجوف مثل ضربة قاسمة للقوات الحكومية لأهميتها الاستراتيجية، إذ ‌‌‏تشكل خطراً على محافظة مأرب المتاخمة للجوف من جهة الجنوب، والتي تعد المعقل ‌‌‏الرئيسي للقوات الحكومية. 
 
ويأتي ذلك بعد أسابيع قليلة من تصعيدها العسكري في جبهة نهم البوابة الشرقية ‏للعاصمة ‌‏صنعاء، حيث دفعت بتعزيزات بشرية كبيرة لتخوض معركة ضارية استمرت ‏لإيام وتمكنت ‌‏من خلالها السيطرة على مناطق واسعة حتى وصلت إلى مشارف محافظة ‏مأرب. ‏ 
 
وتقول مصادر عسكرية ان مليشيا الحوثي دفعت بتعزيزات هائلة خلال اليومين الماضيين الى جبهات محافظة البيضاء المتاخمة لمارب، في اشارة الى نوايا الحوثيون لحصار المدينة المكتظة بالنازحين. 
 
وخلال عام ونصف، توالى استفراد المليشيات الحوثية بالجبهات، عقب استعادة أنفاسها ‌‌‏المتهالكة بعد أن أزاح اتفاق ستوكهولم ثقلاً كاد أن يودي بها في محافظة الحديدة، واتاح ‏لها ‌‏المجال لحشد المقاتلين وسحبهم من مختلف الجبهات المتوقفة، ‌‏لتستفرد بكل جبهة على حدة وتلقي بكامل ثقلها على هدفها لتحقيق انتصارات ‏عسكرية. 
 
فكانت قبائل حجور العصية على المليشيات على موعد مع معارك طاحنة استمرت نحو شهرين، في مثل هذه الايام من العام الماضي، قبل ان تتمكن المليشيا من اجتياح مديرية كشر معقل المقاومة واخماد المقاتلين المناهضين للمليشيات. 
 
ولم يمض سوى شهور قليلة قبل ان تتمكن المليشيا من اطباق حصار خانق على القوات الحكومية في كتاف والسيطرة على مناطق شاسعة والفتك بمئات المقاتلين الذين قضوا بين شهيد وجريح وأسير. 
 
ويرى محللون عسكريون ان نشوة انتصارات الحوثيين قد تدفع بهم للتصعيد في جبهات مختلفة كما هو الحال في الوقت الحالي، حيث تتحرك المليشيا باتجاه مدينة مارب من ثلاثة محاور هي جبهات البيضاء جنوبا ونهم غربا والجوف شمالا. 
 
خطيئة الحديدة 
 
الحكومية اليمنية أدركت بعد مرور العام والنصف بأن اتفاق ستوكهولم أصبح مشكلة وليس ‌‌‏حلاً حيث لوحت إبان سقوط مواقع شاسعة بمديرية نهم شرقي العاصمة بيد المليشيات، ‏بالانسحاب من الاتفاق ‏الاممي. 
 
وقالت الحكومة ‏على لسان متحدثها ‌‏الرسمي في تصريحات لإحدى ‏الصحف الخارجية بإنه ‏بعد سنة ونصف ‏السنة وفر هذا الاتفاق مظلة للحوثيين وغطاء ‏لعملياتهم ‏العسكرية في ‌‏أكثر من جبهة، إلى ‏جانب عمليات التحشيد في الجبهات العسكرية ‏الأخرى.‏

واعتبر خبراء سياسيون أن ما حدث مؤخرا من اجتياح لمحافظة الجوف وجبهة نهم ‏وقبلها ‏ ‏حجور والعود والحشا في الضالع هو امتداد للتداعيات التي تسببها اتفاق ‏ستوكهولم في ‌‏الحديدة والتي افضت لهذه النتائج الكارثية حسب وصفهم.‏ 
 
كما أكد وزير الخارجية اليمنية محمد الحضرمي في تصريح صحفي، أن استمرار التصعيد ‏العسكري الأخير من قبل الميليشيات وفي ظل وجود المبعوث الأممي في صنعاء، يعد استغلالاً ‏سيئاً لاتفاق السويد والتهدئة في الحديدة ولكل جهود السلام، وذلك عبر التحضير للحرب ‏وتعزيز جبهاتهم الأخرى.‏ 
 
ووصف السياسي والسفير اليمني في بريطانيا ياسين سعيد نعمان، ما حدث مؤخرا بانه امتداد لخطيئة الحديدة، مؤكدا انه كان من الضروري ان يعاد تقييم الحسابات التي افضت الى هذه النتائج الكارثية. 
 
وكانت مصادر محلية تحدثت عن قيام المليشيات الحوثية عقب توقف المعارك في ‏الحديدة ‌‏بسحب المئات من مقاتليها في الساحل الغربي ودفعت بهم في معركتها الأولى ‏ضد ابناء قبائل ‌‏حجور بمحافظة حجة مطلع العام 2019، المنقضي، بعد أن أطبقت ‏الحصار ‏عليها ‌‌‏مستخدمة جميع أنواع الأسلحة الثقيلة، بما فيها الصواريخ الباليستية ‏التي تسلمتها من ‌‏الدولة الراعية لها إيران عبر ميناء الحديدة، ثم أتبعها التصعيد في جبهة العود وبعدها الحشا ‏واستفردت بكل جبهة على حدة حتى وصلت مدينة حزم الجوف.‏ 
 
اتفاق ستوكهولم ‏ 
 
في شهر ديسمبر من العام 2018 أوقف تحرك سياسي -بشعارات إنسانية- تبنته الأمم ‌‏المتحدة برعاية دولية تقودها بريطانية، تقدم العمليات العسكرية التي تنفذها القوات ‌‏المشتركة بدعم وإسناد من القوات الإماراتية المسلحة العاملة ضمن التحالف العربي، لتحرير ‌‏ما تبقى من موانئ يمنية ومناطق ساحلية وإنقاذ ملايين اليمنيين من إجرام وعبث الحوثيين ‌‏الذراع الإيرانية في اليمن.‏ 
 
بعد أن وصلت القوات المشتركة (ألوية حراس الجمهورية وألوية العمالقة والتهامية) إلى عمق ‌‏مدينة الحديدة وإلى بعد كيلوهات قليله من مينائها الاستراتيجي، لم تصمد المليشيات ‌‏الحوثية أياما قليلة حتى تحركت العواصم المشفقة على المليشيات لتبحث عن مخرج لها ‌‏وغطاء لهروبهم المؤكد من الحديدة وموانئها، قبل أن تدوس على رقابهم بيادات أبطال ‌‏القوات المشتركة.‏ 
 
هذا التحرك السياسي جمع بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي في مملكة السويد، ليخرجوا ‌‏باتفاق ستوكهولم الذي يرتكز على ثلاث ‏محاور أساسية كان أبرزها حول مدينة الحديدة ‏وموانئها الاستراتيجية ‏والصليف ورأس عيسى، يقتضي بوقف إطلاق النار وإعادة انتشار ‏القوات، من مدينة الحديدة وموانئها، وفتح ممرات لتقديم المساعدات الإنسانية، وفق أطر ‏زمنية محددة لتنفيذه.‏ 
 
وعلى مدى العام والنصف ظلت المليشيات الحوثية تتنصل من تنفيذ الاتفاق فيما يخص ‏الانسحاب من المدينة وموانئها لما تمثل لها من أهمية استراتيجية كمصدر أساسي في التمويل ‏المالي والتزود بالسلاح الإيراني المهرب، وكان واضحاً وجلياً للجميع بأن الهدف منه هو إيقاف ‏الحرب وإبقاء الحوثيين على المدينة والموانئ وهو النقيض لما جاء في بنود الاتفاق التي نصت ‏على انسحاب جميع القوات من المدينة والموانئ الى النقاط المحددة في بند إعادة الانتشار ‏والتي كلفت للجنة ثلاثية مشتركة بقيادة اممية لمراقبة وتنفيذ إعادة الانتشار.‏ 
 
منصة إرهابية 
 
تمثل مدينة الحديدة المطلة على الساحل الغربي لليمن، أهمية استراتيجية كبيرة لإطلالتها ‏الشاسعة على الممر الدولي في البحر الأحمر، الذي يعد من أهم الممرات التجارية في العالم، ‏كما يعد ميناء الحديدة ثاني أكبر الموانئ اليمنية وهو بمثابة "بوابة البحر الأحمر"، ويستقبل ‌‏70 في المئة من واردات البلاد التجارية، فقد أظهرت معلومات مؤكدة بأن الحوثيين في ‏السنتين الأولى من سيطرتهم على مدينة الحديدة حصدوا 60 مليار ريال شهرياً، وذلك من ‏خلال الإيرادات التي يوفرها الميناء.‏ 
 
أما ميناء رأس عيسى فهو أول ميناء أنشئ وضخ النفط إليه في اليمن، ويمثل نقطة الوصول ‏لخط أنابيب النفط مأرب - رأس عيسى، وهو بمثابة خزان عائم مؤهل لتحميل وشحن السفن ‏بالنفط الخام، كما يقع ميناء الصليف شمال غربي مدينة الحديدة، ويتمتع بأهمية كونه يقع ‏على منجم ملح. وهو مجهّز لاستقبال السفن العملاقة، كما تم تزويده بصوامع، لتخزين ‏المواد الغذائية.
 
استغلت المليشيات الحوثية سيطرتها على ميناء الحديدة في تمرير الأسلحة الإيرانية التي ‏استخدمتها في معاركها ضد اليمنيين، وكذلك تهريب الصواريخ التي أطلقتها على المدن ‏والقرى الآهلة بالسكان في مناطق مختلفة باليمن وأخرى أطلقتها على السعودية، كما استغلت ‏الميناء في تأمين مصدر مالي عبر إيراداته بخلاف ما تتلقاه من الدولة الراعية لها إيران، وبذلك ‏أصبحت الحديدة شريان الحياة الذي أمد الحوثيين بالمال والقوة لشن حروبها العبثية على ‏اليمنيين.‏

ذهبت المليشيات الحوثية إلى أبعد من ذلك حيث نفذت عمليات إرهابية بأوامر إيرانية ‏استهدفت السفن وشحنات النفط في البحر الأحمر، مستخدمة القوارب المفخخة والألغام ‏البحرية والصواريخ المضادة للسفن، وهو ما يشكل تهديدا للملاحة الدولية التي تعبر ممر ‏التجارة الدولية الحيوي، محولة موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، لمنصة لإطلاق تلك ‏الهجمات الإرهابية.‏ 
 
وفي ذلك قال محللون سياسيون إن المليشيات الحوثي استخدمت ميناء الحديدة لشن ‏هجمات بحرية ضد الملاحة الدولية وتهريب الأسلحة، حيث هاجمت العديد من السفن ‏والناقلات التجارية، ويُعد ذلك عملاً إرهابياً يهدد الملاحة الدولية ويُعرض مصالح العالم ‏للخطر، وعلى العالم أن يدرك بأن تحرير الحديدة من شأنه تأمين الملاحة الدولية وحماية ‏مصالح العالم، وإنهاء مصدر قوة المليشيات الحوثية.‏ 
 
بدوره أحد الباحثين الاقتصاديين يقول "إن تحرير مدينة الحديدة من ميليشيا الحوثي ‏سيوقف الخطر المحدق بممر مائي أساسي للاقتصاد العالمي، والذي تمر عبره نحو 15% من ‏خطوط التجارة الدولية".‏ 
 
قطع الشريان الحوثي 
 
أدرك اليمنيون بأن تحرير الحديدة وإنهاء اتفاق ستوكهولم أصبح حاجة ملحة لإنها الحرب في ‏اليمن ومعاناة ملايين اليمنيين بعد أن أمال الاتفاق كفة الموازين لصالح المليشيات وجعلها ‏تتمكن من ابتلاع الجبهات واحدة تلو الأخرى، بعد أن كانت قاب قوسين او أدني من الهزيمة أمام ضربات ‏القوات المشتركة وعملياتها العسكرية لتحرير مدينة الحديدة.‏ 
 
ولعل الجهود الرامية والمطالبات الحثيثة لإيقاف اتفاق ستوكهولم، تأخذ طريقها للنور، لما لها من نتائج من شأنها ايقاف تحرك الحوثيين وتصعيدهم العسكري ثانيا، وتحرير مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي، كرد عنيف لتجاوزات المليشيات الحوثية.

 

ذات صلة