هل جاء كورونا من مرق الخفاش حقا؟

12:00 2020/05/12

نريد في هذا المقال تبديد شائعة لا ندري بالضبط من صنع أصلها، لكن يدرك كثير من اليمنيين والعرب أن الذين نشروها على نطاق واسع وأضافوا إليها هم بعض الخطباء الإسلاميين الذين يأخذون طرفا من خبر فيهيجوه بلا روية ولا رؤية متكاملة، ولا عقل رشيد، ولا حصافة.
 
سمعنا غير واحد يهاجم الصينيين بخرافات وهمية، ويحملهم مسئولية تفشي وباء كورونا في بلاد المسلمين، استنادا إلى الخرافة الجديدة وهي أن الصينيين يأكلون الخفافيش ويحتسون مرقها، مما سبب لهم كورونا، فانتقل منهم إلى الشعوب الأخرى خارج الصين.وقد قال رجل دين مخاطبا الصينيين: أنتم لا تتأففون من القاذورات، ونعرف عادتكم في أكل الحيوانات المحرم أكلها، لكن لماذا أكلتم الخفافيش وتسببتم لنا بهذا الموت؟ كان أولى بكم أكل الفئران، فهي لاحمة، ومن ناحية ثانية لو أصبتمونا بمرض الطاعون فأن له دواء! وق قيل من هذا الهراء كثير، فرسخت في أذهان معظم الناس عندنا شائعة مرق الخفاش الذي سبب كورونا.فهل صحيح أن فايروس كورونا انتقل من الصينين إلى غيرهم بعد أن أصيبوا به بسبب أكل الخفافيش أو احتساء مرقها؟حسب ما نعلم حتى الآن، لم يقل أحد إن الفايروس أصاب الصينيين بسبب أكلهم الخفافيش.. وما حدث على وجه الدقة، هو أن دولا مثل استراليا والولايات المتحدة الأميركية حملت الصين مسئولية ظهور الفايروس كورونا.لنأخذ الموقف الأميركي مثالا فهو واضح.. الرئيس الأميركي دونالد ترمب وبعض رجال إدارته مثل وزير الخارجية مايك بومبيو، يدعون أن الفايروس تم تخليقه في الصين.. ويدعون أيضا إن تقاريرهم الاستخبارية تفيد أنه تسرب من مختبر الفيروسات في مدينة ووهان المتخصص بدراسة كيفية انتقال الفيروسات المميتة من الحيوانات إلى البشر.. ومع هذا قال مايك بومبيو إن ليس لديه سبب وجيه يجعله يجزم أن الفايروس تم تخليقه ونشره عمدا، وإنما قد يكون تولد بسبب أخطاْ علمية حدثت في ذلك المختبر، لكن سواء نتج عن تجربة خاطئة، أو تعمد الصينيون تخليقه ونشره، ففي الحالتين تظل الصين مسئولة عن هذه الجائحة، لأن الحزب الشيوعي الحاكم تكتم على الفايروس، ولولا كتمانه لكانت السيطرة عليه في البداية ممكنة.. والمعروف أن أعداد المصابين بالفايروس في الولايات المتحدة الأميركية تجاوزت المليون شخص، والذين ماتوا هناك بسببه أكثر من ثمانين ألف، وفي ظل الحملة الانتخابية الرئاسية اختار ترامب وأعضاء إدارته المشجب الصيني ليعلقوا عليه عجز نظامهم الصحي، أمام الناخبين أو الهيئة الناخبة. الصين دفعت عن نفسها هذه التهم، لكن لندع الصين جانبا، ولنتجه نحو جهات محايدة، مثل منظمة الصحة العالمية التي أكدت عدم صحة الادعاءات الأميركية من الناحية العلمية، كما كذبت تلك الادعاءات أجهزة الاستخبارات في معظم الدول الأوروبية، وأبرزها ألمانيا وفرنسا، وأكدت أن الادعاءات الأميركية حول انتاج الفايروس في المختبر ومن ثم تسريبه إلى البشر، ادعاءات لا يسندها دليل.حسنا.. من أين جاء كورونا إذن، وهل له علاقته بمرق الخفاش؟ قد قيل إن عالمة صينية في مختبر الفيروسات بمدينة ووهان أصيبت بالفايروس وهي داخل المختبر- لم تكن تحتسي مرق الخفاش هناك طبعا- ثم بعد إصابتها به نقلته إلى زوجها، ومن هنا بدأت العدوى وانتشرت في المدينة ثم حدث ما حدث، وما يحدث حتى هذه اللحظة.. رغم ذلك تعتبر هذه الرواية غير مهمة، إذ المؤكد حتى اليوم أن كورونا انتقل من نوع معين من الخفافيش، إلى حيوان آخر، وهذا الحيوان هو الوسيط بين الخفاش والبشر، ولم ينتقل من الخفاش إلى البشر مباشرة.. وذلك الحيوان قد يكون قط أو بانغولين، أو حيوانات برية أخرى تباع في أسواق مدينة ووهان، ومن واحدة من هذه الحيوانات أو بعضها أو كلها انتقل إلى البشر، ولكن ليس عن طريق تناول لحومها أو احتساء مرقها.. ونذكر هنا أن فايروس الإيدز مصدره حيوان هو القرد، وفايروس كورونا مثله مثل فيروسات أخرى كفايروس سارس الذي انتقل من حيوان إلى بشر.لقد ترك اصحابنا كل هذه الحقائق العلمية، وامسكوا بالخفاش، فصار الأصل الذي تولدت منه تلك الشائعة في البيئة الإسلامية على رغم مصادمة مضمونها للعلم.. وقد تولى الإسلاميون كبر هذه الشائعة، وسمعناهم ورأيناهم يعيرون الصينيين على أكل خفافيش، تماما كم عيروا الأوربيين لأكلهم لحوم الخنازير التي فيها دودة شريطية، توجد اصلا في لحوم البقر وفي غير البقر، في الحين الذي يفعلون أسوأ من ذلك، حيث يشرب عرب ومسلمون أبوال الإبل بوهم التداوي، ويأكلون حشرة الجراد المسمومة، ودودة الطين التي تسمى في بعض جهات اليمن بالشصوي، ويأكلون لحوم الحمار الوحشي، والضبع المفترس، والضب، واليربوع(من فصيلة الفئران)، والسحلية، والطاووس، والببغاء، والسنجاب، والقنفذ، كما أن هناك قاعدة فقهية للمسلمين تقضي بجواز أكل الكائنات المحرمة شرعا في حال الاضطرار، بما في ذلك الخفافيش والذباب!
 
*(المقالات التي تنشر تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع)