خيبة آمل مليشيا الحوثي من حركة حماس

03:12 2025/10/18

بالرغم من محاولات مليشيا الحوثي في اليمن الظهور بمظهر “حركة مقاومة” داعمة لفلسطين، إلا أن الواقع يكشف أن علاقتها بحركة حماس لم تكن قائمة على مبادئ أو عقيدة بقدر ما كانت علاقة مصلحة سياسية وإعلامية استثمر فيها الحوثي أقصى قدر ممكن لتعزيز نفوذه داخلياً وخارجياً، فمنذ اللحظة الأولى لاشتعال الحرب في غزة تعامل الحوثيون مع الحدث كما لو أنه منجم ذهب دعائي ومالي فتحوا من خلاله خطوطاً جديدة للابتزاز ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه تحت شعار “الدعم والمقاومة” لم يكن الهدف فلسطين ولا غزة ولا حتى حماس نفسها بقدر ما كان الهدف هو إطالة عمر سلطتهم في اليمن عبر اللعب على وتر العاطفة الدينية لدى اليمنيين وتحويل القضية الفلسطينية إلى مشروع اقتصادي وسياسي مربح.
لقد شكل إعلان وقف الحرب في غزة بمثابة قطع للوريد الرئيسي الذي كان يغذي الحوثيين منذ أشهر، فالحرب كانت بمثابة الأكسجين الذي يتنفسون من خلاله وبانتهائها باتوا مكشوفين أمام الداخل والخارج على حد سواء؛ داخلياً استغل الحوثيون الحرب لفرض جبايات مهولة على التجار والمؤسسات وحتى الأفراد تحت ذريعة “دعم المقاومة”، فكل متجر صغير أو شركة أو حتى مواطن عادي كان مُجبراً على الدفع، وإلا اتُهم بالخيانة أو “الوقوف مع الصهاينة”، تلك الجبايات لم تذهب لغزة كما كانوا يدّعون بل ذهبت إلى جيوب قياداتهم الذين وجدوا في الحرب فرصة ذهبية لتعويض خسائرهم وإثراء شبكاتهم المتحالفة، والأسوأ من ذلك أنهم استخدموا الحرب كذريعة لقمع أي صوت ناقد أو منشور على وسائل التواصل حتى لو كان بعيداً عن السياسة، إذ كانوا يشيطنون أي محاولة لانتقاد الوضع المعيشي أو المطالبة بالخدمات بأنها “تشتيت للمعركة” و”خدمة لإسرائيل”، أصبح المواطن اليمني محاصراً بين جوعه وبين تهمة الخيانة الجاهزة التي تُلقى عليه إن تجرأ وسأل: أين تذهب تلك الأموال التي تُجمع باسم غزة؟؛ أما خارجياً فقد وجد الحوثي في الحرب فرصة ذهبية لتسويق نفسه لاعباً محورياً في “معركة تحرير فلسطين”، فراح يعلن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ليس باتجاه إسرائيل فعلياً كما يزعم، بل في معظم الأحيان نحو البحر أو في اتجاهات رمزية لا قيمة عسكرية لها، كل ما كان يهمه هو مقطع الفيديو الذي يصفق له فيه أنصاره، والخبر العاجل الذي تتداوله القنوات الداعمة له، حاول أن يقدّم نفسه للجماهير العربية والإسلامية على أنه “القائد القادم لتحرير القدس”، وهو يعرف في قرارة نفسه أن هذا مجرد استعراض إعلامي لا يتعدى حدود الشاشة، ومع ذلك استمرت آلته الدعائية في ضخ الشعارات والوعود لأن بقاء الحرب مشتعلة كان يعني بقاءه هو أيضاً مشتعلاً في وعي الناس كـ"مقاوم" لا كسلطة قمعية جاثمة على صدر اليمنيين.
إن انتهاء الحرب في غزة كشف حقيقة كانت مغيبة خلف دخان الشعارات: الحوثي لم يكن يوماً حليفاً حقيقياً لفلسطين بل كان يستعمل اسمها كوقود لمعركته الخاصة، فالآن بعد أن خفتت أصوات المدافع، سيُسأل الحوثي: أين ذهبت كل تلك الأموال التي جُمعت باسم غزة؟ لماذا لم نَرَ مشاريع إغاثية حقيقية باسم اليمنيين هناك؟ لماذا لم يتوقف القمع الداخلي رغم توقف الحرب الخارجية؟ هذه الأسئلة باتت خطيرة على الحوثي أكثر من أي صاروخ، لأنه لا يستطيع أن يجيب عنها إلا بالعودة إلى سلاحه الوحيد القمع؛ ولهذا يمكن القول إن وقف الحرب في غزة لم يكن مجرد حدث إقليمي بل كان تحولاً جوهرياً في مسار الحوثي نفسه لأنه فقد القناع الذي كان يختبئ خلفه؛ فاليوم بات واضحاً لكل مراقب أن العلاقة بين الحوثي وحماس لم تكن علاقة تضامن ولا أخوّة بقدر ما كانت علاقة انتفاع من طرف واحد طرف يريد أن يظهر بطلاً على حساب دم الآخرين، وربما آن الأوان للفلسطينيين أنفسهم أن يدركوا أن من يستخدم قضيتهم وسيلة للنهب والقمع ليس حليفاً بل عبئاً عليهم، وأن تحرير فلسطين لا يمكن أن يأتي على يد من يقمع شعبه بحجة أنه “لا يريد تشتيت المعركة”، فالمعركة الحقيقية تبدأ من الداخل ومن لم يستطع أن يكون عادلاً في وطنه فلن يكون مخلصاً في قضاياه الخارجية مهما علا صراخه في المنابر.