لماذا عاد شهلائي إلى اليمن الآن؟
- خاص - الساحل الغربي:
- 01:54 2025/11/17
لم تكن الحركة الإيرانية الأخيرة في اليمن استجابة طارئة لارتباك داخل مليشيا الحوثي فقط، لكنها بدت كعملية إعادة صياغة واسعة لشبكة النفوذ الإقليمي بعد أن ضربت موازين القوة داخل "محور المقاومة" في قلبه اللبناني.. فمقتل حسن نصر الله - القائد الذي لعب دور "العقدة المركزية" داخل محور متعدد الساحات، لم يترك فراغاً داخل حزب الله وحده، بل هز المعمار الذي تقوم عليه العلاقة بين طهران ووكلائها: علاقة تجمع الأمن بالعقيدة وبالتنسيق العابر للحدود.
وفق نظرية "الدولة الضعيفة"، يصبح الوكيل المسلح أكثر قدرة على تمثيل وظيفة الدولة كلما تراجعت مؤسسات الدولة نفسها.. وهذا ما جعل الحوثيين –منذ سنوات– البيئة المثالية لولادة "دولة موازية" تُدار من الظل.. ومع تفكك محور لبنان، أصبح اليمن ساحة أقل تكلفة وأكثر قابلية للضبط من نموذج حزب الله المتشعب والمعقد.
بينما بُني نموذج حزب الله على شرعية شعبية وبنية سياسية دقيقة، يعتمد النموذج الحوثي على جهاز أمني مغلق، وولاء عقائدي صارم، وشبكة اقتصادية–عسكرية تُدار من نخبة ضيقة.. ومع اهتزاز "النموذج اللبناني" عقب الضربات الأخيرة، اتجهت إيران إلى النموذج الأكثر قابلية للاستمرار: نموذج القوة الأمنية الخاضعة للمركز بلا طبقات سياسية مزعجة.
الوكيل العقائدي يعيش على "المعنى". ومقتل نصر الله خلق فجوة رمزية أصابت الحوثيين أيضاً، إذ كان يمثل لهم المرجعية العليا غير الرسمية.. وفي خطابات زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي الأخيرة يتجلى هذا الارتباك: قائد بلا مرشد، وجماعة بلا قطب مركزي.
وهنا يظهر دور شهلائي: ليس كقائد شعبي، بل كـ "مهندس الدولة–الظل" و"شرعية أمنية" قادرة على إعادة بناء السردية المفقودة.
الضربات الدقيقة التي طالت قيادات الصف الأول في المليشيا كشفت هشاشة العقد الأمني الذي بنى الحوثيون سلطتهم على أساسه.. اختراقات وصلت حتى مخابئ عبدالملك نفسه؛ وبالنسبة لطهران، هذا ليس خللاً تكتيكياً، بقدر ما هو علامة خطر استراتيجي.
ومن هنا جاء قرار إعادة شهلائي: الشخص الذي صاغ، منذ ما قبل 2014، البنية الأمنية التي أقامت عليها المليشيا "دولتها الموازية".
تصاعد الصراع بين علي حسين الحوثي ويوسف المداني من جهة، وعبدالله الرزامي من جهة أخرى، ومع الغياب المريب لعبدالكريم الحوثي، لم يكن هذا مجرد خلاف داخلي؛ إنه تحول نحو بنية "المربعات الأمنية" – المرحلة التي تسقط عندها المليشيات عادةً..
إيران تعرف هذا جيداً، وتعرف أن الانهيار يبدأ من الداخل.. ولهذا عودة شهلائي ليست خطوة دعم، بقدر ما هي محاولة سيطرة.
اليمن اليوم هو المرشح الأبرز لوراثة جزء من دور حزب الله داخل المحور الإيراني: (بيئة ضعيفة، وجماعة قابلة للتوجيه، ومساحة لا تحتاج إلى هندسة سياسية معقدة، وقدرة على إنتاج "ذراع منضبط" يعمل وفق أجندة المركز مباشرة).
عودة شهلائي إعلان عن انتقال في بنية النفوذ الإيراني:
من لبنان المتشظي إلى اليمن الهش
ومن الوكيل الكاريزمي إلى الوكيل المُنغلق
ومن نموذج (الدولة–الحزب) إلى نموذج (الدولة–الظل)
هكذا، يصبح اليمن مركز الثقل البديل في محور يبحث عن إعادة ترتيب نفسه بعد خسارة قادته التاريخيين.. وما ستشهده صنعاء خلال الأشهر المقبلة لن يكون سوى محاولة إيرانية صارمة لإعادة ضبط الذراع التي تعول عليها الآن أكثر من أي وقت مضى.
