عقد من الأمل والألم.. عيد الفطر في ظلال الحرب الحوثية

  • الساحل الغربي، عبدالصمد القاضي:
  • 11:24 2024/04/06

في ظل صراع يمزق أنسجة الوطن ويغرق الأحلام في بحر من الأسى، يستقبل اليمنيون عيد الفطر للعام العاشر؛ عقد من الزمان، والحرب تنهش في جسد اليمن السعيد، تحولت فيه الأعياد إلى مجرد تواريخ تمر على الأجندة دون أن تترك أثرًا للفرح في قلوب المواطنين؛ هذا التقرير يسلط الضوء على واقع العيد في اليمن، حيث الفرحة مغيبة، والابتسامات مكلفة، والأمل في عودة الحياة إلى مجراها الطبيعي يتلاشى في ظل استمرار الحرب الحوثية وتبعاتها القاسية؛ نقدم لكم لمحة عن العيد في عيون الأطفال، الأسر المشتتة، والأسواق الخاوية، في بلد يحاول أن يجد في العافية عيدًا، وفي الصمود وجهًا للحياة.
 
منذ الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014، تتكرر الأعياد والمناسبات، أرقام وأيام بلا هوية ولا بهجة ولا سرور.
 
ويأتي العيد العاشر وأيقونة "آنستنا يا عيد" فقدت معانيها وفاحت رائحة الموت والبارود.
 
غربة في ربوع الوطن
 
تسببت الحرب المستمرة في شتات الأسر وتفرق الأهالي نتيجة الحصار الذي تفرضه مليشيا الحوثي الإرهابية على المدن، بالإضافة إلى المخاوف الأمنية في الطرق والممرات التي تربط بين المناطق المحررة الشرعية والمناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا، والمزدحمة بعشرات الحواجز الأمنية.
 
المواطن طاهر محمد سيف، من أبناء محافظة تعز، والذي يعمل في محافظة مأرب، يقول لـ"الساحل الغربي": سبعة أعوام مضت منذ أن زرت أسرتي في مدينة تعز، نتيجة الحرب المستمرة، وإغلاق الطرق الرئيسية، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية؛ تكاليف السفر من مأرب تقارب 200 ألف ريال ومدة السفر تصل إلى ثلاثة أو أربعة أيام، بعكس ما كانت عليه قبل الحرب وقبل إغلاق الطرق؛ ولم تتجاوز تكاليف السفر 20 ألف ريال.
 
ومن جهته يقول طلال عبدالله سيف، الذي يعمل سائق صالون لنقل الركاب، إن نسبة العائدين إلى قراهم خلال أيام العيد انحسرت بشكل كبير جدًا خلال سنوات الحرب الماضية، حيث يعزف الكثير من المواطنين عن العودة إلى القرى أو مسقط رأسهم نتيجة الانقسام الاجتماعي الذي أحدثته مليشيا الحوثي الإرهابية.
 
عيد بلا ملامح
 
يقول واقع حال المواطنين، إن مظاهر العيد في ظل الحرب باتت اسمًا مستعارًا، فالظروف الصعبة التي تمر بها البلاد غيبت ملامح العيد؛ المواطن فؤاد عبدالمجيد من سكان العاصمة المختطفة صنعاء يشكو واقع الحال وملامح الصورة التي يستقبل بها اليمنيون العيد العاشر في ظل الحرب المستمرة بقوله: العيد لم يعد كما كان عليه قبل أعوام الحرب، مشيرًا إلى أن العلاقات الاجتماعية تأثرت وتغيرت نتيجة سوء الأوضاع المعيشية عند غالبية الناس. ويضيف: إن تأثيرات الحرب أدت إلى تهرب بعض الناس من زيارة الأقارب والأصدقاء، ويكتفون بإرسال التهاني والتبريكات عبر الواتساب والمكالمات الهاتفية على عكس ما كان عليه في السابق من خلال الزيارات المباشرة المحفوفة بالعناق وتبادل التهنئات العيدية. وأرجع فؤاد ذلك نتيجة التدهور الاقتصادي وارتفاع الأسعار وانقطاع رواتب الموظفين وهو ما انعكس على فرحة العيد.
 
في عيون الأطفال
 
العيد في عيون الأطفال هو كل ما تبقى من ملامح العيد والفرح؛ بروح الابتهاج يستقبل الأطفال في مدينة تعز المحاصرة العيد، من خلال استعدادات لقدوم العيد وتحضير الملابس والأسلحة البلاستيكية والألعاب النارية وتبادل الأحاديث عن ملابسهم الجديدة وعن الزيارات للمتنزهات التي سيزورونها خلال أيام العيد.
 
العيد عيد العافية.. عبارة تتكرر على لسان الكثير من المواطنين، لغرض التكيف مع الأوضاع التي خلفتها حرب المليشيا الحوثية.
 
الشاب فيصل الخلي، موظف بلا راتب في تربية محافظة إب، يشير إلى أن "العيد عيد العافية" سلاح يدافع به عن نفسه عندما تزاحم مطالب أطفاله الخمسة مع اقتراب كل عيد منذ تسع سنوات؛ وأكد الخلي أنه كان قبل الحرب يحصل أبناؤه على 3-4 بدلات وملابس عيد لكل واحد، لكن نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وانقطاع المرتبات لم يستطع توفير متطلبات العيد لأسرته؛ وإن حصل على بدلة لكل طفل، يتم استخدامها في عيد الفطر وعيد الأضحى وقد يحتفظ بها للعام القادم.
 
العيد عزاء مفتوح
 
تسببت الحرب الدائرة بقتل الكثير من المواطنين بمختلف وسائل وأدوات القتل. عبدالوهاب أحمد قائد يقول لـ"الساحل الغربي": قبل خمس سنوات قتل ابني البكر "عمر" في عمر الزهور برصاص قناص مليشيا الحوثي بمنطقة الروضة وسط مدينة تعز؛ منذ ذلك اليوم حتى الآن في كل عيد وكل مناسبة يكون عزاء مفتوح لأسرتي، لا فرح ولا عيد وقد ذبح فرحتي وعيدي.
 
أسواق بلا زبائن
 
منذ سنوات الحرب العجاف، أضحى المواطن اليمني لا يعير الأعياد أي اهتمام، نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة؛ أم ريماس وهي من سكان محافظة الضالع تقول: لم أتردد على أسواق الملابس منذ خمس سنوات نتيجة الوضع الاقتصادي المر؛ ومع كل عيد أبحث عن ملابس لأطفالي من أسواق البالة أو تخفيضات الملابس الجاهزة، لغرض فرحة الأطفال لا أكثر.
 
ارتفاع أسعار الملابس
 
صلاح عبدالكافي، بائع في محل ملابس وسط مدينة تعز، تحدث عن أسباب الارتفاعات في أسعار الملابس وحاجيات العيد هذا العام، وقال: إن تدني مستوى العملة المحلية أمام نظيراتها الأجنبية، وفارق سعر الصرف ساهم في مضاعفة أسعار الملابس، خاصةً وأن أغلب البضائع تستورد من الخارج، وبالعملات الأجنبية. وأضاف: إن التدمير الذي طال الموانئ اليمنية نتيجة حرب المليشيا حد من كمية البضائع المستوردة، الأمر الذي تسبب بقلة المعروض وزيادة الطلب." وتتراوح أسعار الملابس للأطفال ما بين 30-50 ألف ريال يمني، وهو ما لا تقدر على توفيره الأسر الفقيرة أو محدودة الدخل.
 
المواطن يدفع ثمن الحرب المستمرة
 
للحرب تبعاتها السيئة يدفع ثمنها المجتمع اليمني، وسكان مدينة تعز نموذج لما خلفته الحرب والحصار منذ عشر سنوات. وأوضح الحقوقي ماهر العبسي، مدير مكتب شؤون الحصار بمدينة تعز، أن سكان مدينة تعز يعيشون آثارا اجتماعية واقتصادية صعبة بسبب الحصار والحرب المستمر للعام العاشر. وأشار إلى أن هناك الكثير من الآثار، أولًا تفكك وتمزق النسيج المجتمعي نتيجة عدم قدرتهم على زيارة أقاربهم في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، وعدم لم شمل الكثير من الأسر التي انقسمت بسبب الحصار وقطع الطرق الرسمية من قبل المليشيا الحوثية منذ عشر سنوات. 
 
وأضاف العبسي: إن حصار المدن كان له آثار اقتصادية كبيرة على الأسر في محافظة تعز أدت إلى صعوبة المعيشة التي تزداد سوءًا كل يوم؛ وأكد أن الحرب والحصار تسببا بعدم قدرة السكان على الاحتفاء واستقبال العيد بشكله الطبيعي والمعتاد على ما كان عليه قبل الحرب. ونوه إلى أن السكان في مدينة تعز يعيشون أوضاعًا بائسة نتيجة الحرب والحصار ولا يمكن تجاهل هذه الآثار، فالمواطنون يستقبلون العيد بالدموع والحزن نتيجة صعوبة الالتقاء بأسرهم وذويهم جراء قطع الطرق أو فراق أحبابهم نتيجة الحرب.
 
تفكيك النسيج الاجتماعي
 
يبحث المواطن اليمني منذ بداية الحرب عن منفذ للخروج من ديمومة الحرب المستمرة وإن تمكن يهرول للهروب مع أسرته الصغيرة، يتسبب ذلك في إحداث شرخ للنسيج الاجتماعي وتفكيك الترابط الأسري. الأستاذ محمد مصطفى، مختص اجتماعي في محافظة إب، يقول: إن الحرب المستمرة في البلاد تسببت في هجرة عشرات الآلاف من المواطنين في محافظة إب بشكل منفرد أو مع أسرهم الصغيرة ومن ذهب لم يعد. وأشار إلى أن الكثير من الأهالي يعزفون عن العودة إلى مناطقهم أو قراهم في الأعياد كما كانت العادة قبل الحرب لذا تلاحظ القرى خلال الأعياد عارية من أي ملامح عيدية.
 
من جهته أشار الدكتور عبدالوهاب العوج، إلى أن الحرب تسببت بوضع المواطنين تحت خط الفقر الذي يشكل 80% من سكان اليمن.
 
وأضاف إن اليمنيين يستقبلون العيد بالمزيد من الألم والحسرة نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب وانقطاع المرتبات في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.
 
يدفع المواطنون ثمن أفراحهم في ظل الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام، متمسكين بالأمل في أن تنقشع غيوم الصراع وتعود الحياة إلى طبيعتها السلمية.
 
وفي الختام، يظل العيد في اليمن شاهدًا على صمود شعب وإرادة أمة تحاول أن تنهض من بين ركام الحرب؛ فرغم الألم والفقد، يبقى الأمل في قلوب اليمنيين بأن الغد سيحمل معه نسائم السلام ويعيد للعيد بهجته وللوجوه ابتسامتها؛ حتى ذلك الحين، يستمر اليمنيون في الاحتفاء بالعيد بما تبقى لديهم من عزيمة وصبر، متطلعين إلى مستقبل يعود فيه العيد ليكون عيدًا حقيقيًا يجمع شمل الأحبة ويملأ الدور بالأفراح.

ذات صلة