العملة الوطنية.. بين ثبات سعر الصرف وتراجعه

01:46 2020/12/23

منذ أشهر عدة والعملة الوطنية تشهد في المناطق المحررة انهياراً ملحوظاً في سعر صرفها أمام العملات الأجنبية. هذا نتاج طبيعي في ظل عوامل عدة، منها تدهور الأوضاع الأمنية، ناهيك عن حالة الاحتراب الداخلي الذي يعيشه الوطن، بالإضافة إلى تراجع بل وجمود الاقتصاد الوطني إذا صح التعبير، مما انعكس سلباً على معيشة المواطن البسيط دون غيره من فئات النخب الأخرى السياسية والاقتصادية.
 
هذا الانهيار ترتب عليه تذمرات حقة للمواطن نتيجة تردي أحوال معيشته بفعل انخفاض القيمة الشرائية للعملة التي ترتب عليها ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، فأصبح عاجزاً عن توفير أدنى احتياجات معيشته، خصوصاً في ظل ثبات معدل دخله المتدني أساساً ناهيك عن تأخر صرف استحقاق (الراتب) الموظف العام.
 
تذمر شعبي واسع هو منطقي في جوانب عدة منه، ما عدا جانب تلك المقارنة العقيمة بين تراجع سعر الصرف في المناطق المحررة وثباته عند 156 في المناطق القابعة تحت سطوة ميليشيات الحوثية، حتى ظن أن ثبات سعر الصرف المزعوم ناجم عن عصا سحرية أو سياسة نقدية امتلكتها الميليشيات وتفتقرت إليها (حكومة الشرعية).
 
هي ليس كذلك، إنما ترويجات تستهدف بساطة الوعي الشعبي الذي مكن الانقلاب ومن إليه من شركاء ساحات التغرير، من ذهنية المجتمع فتلاعبوا بالوعي العام وفقاً لأهداف أجندتهم، فهُيئ للمواطن بأنها تمتلك نماذجَ سحرية ضمنت كل استقرار في معيشة من هو في تلك المناطق عن قرينه في المناطق المحررة.
 
ولضبط الوعي المجتمعي اقتصادياً، على الجميع أن يدرك بأن لا فرق بين من هم هناك ومنهم هنا، فالجميع مواطنو الجمهورية اليمنية ويعيشون ذات العوامل المؤثرة بأسعار صرف العملة الوطنية، والتساؤل الذي يمكن أن يتساءله الجميع هو، لماذا سعر الصرف في تلك المناطق ثابت بينما متراجع في الأخرى، بالرغم من أننا جميعاً على مركب واحد يعيش ذات الظروف والعوامل، وأي خلل يصيبه ينذر بغرق الجميع دون استثناء؟
 
بالنظر إلى إجابة التساؤل يجب أن ندرك بأن أي تراجع في سعر صرف أي عملة أو ثباتها أو حتى ارتفاعها يعود لتوافر جملة عوامل، منها ما هو مرتبط مباشرة بالاستقرار الأمني ومنها ما هو مرتبط بعوامل اقتصادية أثرت بأسعار صرف العملة إما صعودا أو هبوطا، من هذه العوامل، على سبيل المثال، يأتي إجمالي الإنتاج المحلي، وناتج الدخل القومي المرتبطان بعملية تصدير المنتج الوطني، الذي يسهم اسهاما كبيرا بتدفقات العملات الأجنبية، الأمر الذي يسهم بارتفاع المخزون الوطني من تلك العملات، بالتالي يحدد سعر صرف العملة الوطنية أمام غيرها من العملات.
 
إذن العملية أمنية واقتصادية بحتة وليس لعصا سحرية يمتلكها طرف دون غيره، خصوصا في ظل حرب طاحنة نتج عنها اختلالات امنية عدة ادت لهروب رأس المال الوطني وتعطل كافة اوجه نشاط الاقتصاد الوطني، وهذا ملموس ولا يمكن التحايل عليه أو إثبات عكسه، فاليمن تستورد اليوم كل شي بنسبة 100%، واغلب سكانها يعيش على هبات ومعونات الدول المانحة والمنظمات.
 
أما ثبات سعر صرف العملة المزعوم بمناطق سيطرة ميليشيات الحوثية فهو غير منطقي، لا يعود لامتلاكها للمصانع الحيوية والاستراتيجية وآبار النفط والغاز التي يمكن القول بأن تصدير منتجاتها ساهم بارتفاع ناتج الدخل القومي، بالتالي تدفق للعملات الاجنبية إلى مركزي صنعاء... لا وألف لا، ومن يظن ذلك واهم وسطحي الوعي.
 
فذلك الثبات ناجم عن تدخل مباشر لسلطة الانقلاب، بناء على آلية غالبا تتخذها بعض سلطات الانظمة الاشتراكية بما يخدم سياستها واهدافها، حيث تعمد إلى فرض سعر صرف ثابت بعيدا عن عوامل العرض والطلب، وعلى ذلك كان نموذج صنعاء حيث عمدت الميليشيات لاتخاذ قرار تحديد سعر الصرف، بغية التحايل على وعي المجتمع اولا، ولخلق فارق صرف عن المناطق المحررة يخدم سياستها واهدافها ثانياً.
 
وبذلك القرار تمكنت الميليشيا من التلاعب بالوعي العام، ايضا استطاعت خلق فارق صرف بين المناطق المحررة وغير المحررة، والزمت كل عمليات الصرافة بسعر محدد، على أن يستعاض ذلك الفارق من نسب عمولات تحويل الامول من عدن إلى صنعاء، عمولات باهظة تحمل عبئها المواطن وتجني كامل ثمارها الميليشيات، التي لا تدخر جهدا بابتكار طرق تحتال بها على المواطن لنهبه ومقاسمته مصادر دخله، دعما لسياستها الإجرامية وبما يثبت انقلابها اللاقانوني واللا اخلاقي.
 
إذن لا استقرار لسعر صرف أي عملة إلا بتوافر عوامل استقراره الأمنية والاقتصادية، وهذا الطبيعي، أو بتدخل حكومي مباشر (قرار سياسي) وهذا غير الطبيعي ومن السذاجة التكهن بغير ذلك، فقانونا العرض والطلب وحدهما من يتحكمان بالاستقرار الاقتصادي لأي بلد، وبالتالي استقرار سعر صرف عملته الوطنية أمام العملات الأخرى.
 
إنه ثبات سعر صرف هزلي ذكرني بهزلية أحد عناصر الميليشيات وهو يلقي محاضرة عن ميزان المدفوعات لمن هم دون سن ال 15 وكهولة العمر!!! مصورا لهم خطورة اختلاله على حياتهم، وبتهويل وترهيب منه يحاضر من هم بالكاد يقرأون ويكتبون، لا لتوعيتهم بل للتحايل على بساطة وعيهم، بغرض تعبئتهم واستنفارهم لمقاتلة اخوة مجتمعهم، لانقاذ ميزان المدفوعات الذي ينذر بزوالهم كما صور لهم!!!؟
 
فعلاً إنها هزلية ما بعدها هزلية، عدشي عقول تفكر وتتدبر ولا نشتري!!!