متى يسمى الثائر ثائراً؟

01:26 2021/01/04

الثائر ليس أن تكون محاطاً بالجيوش والمال والسند، ولا أن تكون من ديدن المنتصر، الثورة تأتي من أشد الأماكن طغياناً، ومن أحلك الأيام قتامة، وفي أضيق الظروف ومن وسط المكان الذي يلم بين دفتيه صور الاستبداد والظلم، في تلكم الحالات تكون الثورات ويكون الثائر، فقط.
 
لنعُد إلى المعنى، معنى كلمة ثائر، فاللغة تخبرنا أن الثائر هو الهائج والغاضب، وأخذت من ثوران الثور، وإذا ثار الثور حطم كل شيء أمامه، ومن ثوران البركان، فإذا ثار أذاب كل شيء أمامه، ولكل ثوران فعل جعله يثور، ولذا الثائر يبزغ من قلب الحدث لا من خارجه.
 
تقول العرب (ثار ثائِرُه) أي انفجر غضبًا، هاج واشتاط. ومن هنا تكونت فلسفة الثورات في تفاصيل البشرية، فأنت لماذا تغضب؟ لأن هناك من أغضبك ومن أهان كرامتك وشرفك، ومن ضيّق البلاد عليك، ومن نهب قوتك، ومن سلب حياة من تحب وقبلها من سلب منك الحريات.
 
بمعناه الكامل: الثائر هو المنهزم، والمستعبد وفاقد الحرية، والمذل، المهان؛ الذي تكاثرت في صدره صور المذلة وفي لحظة ما ينفجر كبركان بوجه الحدث، ويغضب كثور، ويفقد كل عقله، فلا معنى أن تثور بكل قواك العقلية، ولا أن تقيس نوعية خصمك وقوته، ولا أن تتمعن وتفكر بالنصر والهزيمة، فإن فعلت ذلك فأنت لست ثائراً؛ لأن الثائر يجب أن يغادر المنطق.
 
أول حقيقة للثائر أن ينسى ذاته وكل ذات حواليه، وأن يفكر بلحظته تلك وينتصف لنفسه ولشرفه، وأن لا يموت من الجوع، بل يموت شاهراً جنونه، وهذا ما حدث في كل ثورة، وتوارث البشري فلسفة الثورة، فالثائر يولد في الداخل وسط القوقعة حيث يعاني ويضحي عندما تنسحق رجولته بحياته فلا حياة لمن فقد كرامته ولا رجولة: أي الثورة انسحاق. 
 
أن تنسحق وتثور بوجه الطغاة وكما نشاهد انسحق اليمني أكثر من الانسحاق ذاته وفقد اليمني كل شيء فلا شرف ولا حرية ولا قوت وبمبدأ الثورات لو لديكم الشجاعة الكاملة أن قد فعلتموها من مدة ولأجل أنفسكم وليس لأجل أحد لا الجمهورية ولا حتى الشرعية. 
 
نتداول كثيراً مقولة "الثورة يصنعها الأبطال ويجنيها الأنذال" وهذا هو التعريف الحقيقي للثائر، فلو أن الثائر يربح ويجني خير ثورته لما سميت ثورة، إذ الثائر كما قلت لكم من قبل إنه ينفجر بوجه اللحظة ولا يدافع أو يدفع لأجل أحد وامتداداً لسلطة أو بحثاً عن مغنم فيثور كي يموت ولكنه ينجو ومن ثم يدير ظهره لمن يربح ولا يهمه من يحكم وكل مراده أن يزيل العائق الذي منعه من حياة حرة وكريمة، هوذا.
 
هوذا الثائر، الذي لا يدرك من السياسة أي فذلكة، وفقط أدرك ما يعانيه وأشعل بثورته نصراً وعاد إلى زوجته المصونة ولو تسلطت سلطة الثورة المنتصرة وكظته بالإهانات كما السابق سوف يعود لينفجر بوجه الموقف ألف مرة ومرة ومن ثم يذهب للعمل في بسطته.
 
لا تنتظرونا، أنتم الشعب، وأنتم الثورة، والملايين، أما أنا فلست ثائراً بل مقاتل فقط.
 
لو لي شجاعة الثوران تلك لفعلتها ولم أترك بلدتي، فالفرق بين الثائر والمقاتل كبير وكثير.
 
الثائر يبزغ من قلب العبودية، والمقاتل يبزغ محاطاً بالجند، وهنا لا أهون من دور المقاتل، فقط أشرح لكم معنى الثائر الذي يعاني وكيف له الثورة وما معناه أن لا ينفجر اليمني بوجه كل الذين صفدوه بالقيود وسفدوه بالجمر.
 
وسوف أحكي لكم حكاية: في ظل شهوة قياصرة روما وقوة روما واستعبادهم للقارات الثلاث حوصرت مدينة إسبانية من قيصر، نسيت اسمه واسم المدينة، وما حيلة المدينة الفقيرة تلك أمام جيوش روما، ولكنهم فضلوا الموت على أخذهم أسرى يجرون بالقيود في شوارع روما، وكيلا يربح القنصل الروماني رتبة قيصر بعد جلبه للأسرى من رتبته كقنصل فبرأيكم ماذا صنعوا، هل قاتلوا؟ لا، ماتوا.
 
لا، كانوا جبناء، ولكنهم بذات الوقت كانوا يتحلون بشجاعة مفرطة، فلقد أقسموا اليمين أن ينتحروا جميعهم والأخير بينهم عليه أن يحرق المدينة وفعلاً مات الجميع وعاد الروماني إلى عاصمته بلا أسرى يحرثون في مزارع السادة ويجرون العربات أو جميلات يمتعن السادة الشقر، وبلا ولدان للمنتظرين لهم.
فهزمت تلك المدينة كل جيوش روما، بالموت.
 
برأيكم، متى سوف يثور اليمني؟