نبض تهامة الجمهورية يوسف الشحاري.. "يمنيٌّ يَهوى الْحياةَ صِرَاعاً"

  • الحديدة، الساحل الغربي، هبه حجري:
  • 01:24 2021/09/20

ولد الشاعر التهامي/ يوسف محمد بن أحمد الشِّحَاري في عام 1932م في حارة السور مدینة الحديدة.
 
تلقى العلم والعديدِ من المعارفِ على يد والدهِ الذي كان بدورهِ شغوفاً بالقراءةِ والاطلاعِ والبحثِ الدائمِ عن الحقيقةِ. كما تتلمذَ الشاعر الشحاريُّ على يد كبارِ علماءِ الحديدة ونبغ باكراً في العلومِ الدينيةِ وتعرفَ أقرانهُ ومعلموهُ على حدةِ ذكائهِ وسرعةِ بديهتهِ وعذوبةِ منطقهِ وحرصهِ المستمرِ على مجابهةِ الظلمِ والجهلِ والعنصريةِ.
 
تعددت مواهبهُ منذ نعومةِ اظافرهِ وجمع إلى ذكائهِ المتوقدِ عبقرية إبداعية ومخيالاً خصباً منفتحاً على كلِّ شيء كانبساطِ وعنفوانِ أمواجِهِ الصاخبةِ؛ إذ احترفَ الرياضةَ وهامَ في حبِّ المستديرةِ طويلاً، وكان من أوائلِ المؤسسين للأنديةِ الرياضيةِ في مدينةِ الحديدةِ؛ كما أطلَّ على خشبةِ المسرح في المدارسِ التي تنقل فيها ممثلاً يتقنُ التمثيلَ المسرحي منتصراً منذُ بداياتهِ الأولى لثلاثٍ من أبرز القضايا التي لازمتهُ حتى غادر الحياةَ "الجمهوريةُ والوحدة والإنسان".
 
 
يمنيٌ يهوى الحياةَ صِراعاً
 
كما تأثر یوسف الشِّحاري بالأحداث التي جرت في الحدیدة، قبل ولادته، إذ تغذى في طفولته على قدر هائلٍ من الحكاياتِ والروایاتِ التي كانت تُروَی له عن "ثورة القوقر" ضد الإمام يحيى حمید الدین، ومحاولاتهِ الغاشمةِ في بسط نفوذه علی تهامة، كما استلذَّ واستلهم وقع البطولات التي كانت تروى له عن أفراد وقادة قَبیلةِ الزرانیق، ضد جَیشِ الإمام والقبائل التي استعان بها، فكان للحكاياتِ والأساطیرِ القدح المعلى في تكوينِ شخصيتهِ الرافضةِ للظلم والمؤمنةِ بالبطولةِ والنضالِ والتضحيةِ في سبيلِ كرامةِ الإنسان. 
 
 اکتَسَبَ وَعیاً ثَوریاً بفعل الدروس الوَطنیةِ وكانَ روح التاريخ وأسراره يصدحُ بالحقِ دون مواربةٍ من توقعٍ بمخاوفَ محتملةٍ؛ متواضعٌ وقريب من الناسِ يشاركهم الآلامَ وينتصر للمظلومين.
 
 
وكما تجلت مواهبهُ المتنوعةُ منذ طفولتهِ الأولى فقد لازمتهُ تلك المواهبُ في طريقِ نضالهِ الطويلِ فقد كان الشخصية العسكرية المنضبطة والملهمة التي لا تغفو عن حراسةِ الجمهوريةِ والذودِ عن قداسةِ وحدتها والمتوثبُ دائماً للدفاعِ عن الإنسانِ وتبني قضاياهُ بضميرٍ نقي يرفضُ المزايدةَ ويأنف الهوان والصغار وقد صارَ بعد ذلكَ النائب البرلماني الحكيم الصداعِ بالحقِ والزاهدِ عن كل مغرياتِ الحياةِ مؤثراً نقاءَ ضميرهِ وقداسةِ هدفهِ النبيلِ في الحياةِ؛ وكانَ الخطيبَ المفوهَ الذي تقضُّ حماسةُ كلماتهِ مضاجع الطغاةِ، وهو الشاعرُ الفصيحُ الذي لا يتوارى خلف الكلماتِ ويتستر خلفَ الصورِ الفنيةِ مَرتضياً حَملَ الوطن والمواطنِ على كاهلِ جَسدهِ الأسمرِ النَّحِيلِ.
 
الثائر الشاعر الضابط الأديب .. اليمني بحق
 
ساهم في تأسیسِ اتحاد الأدباء والکتاب الیمنیین، وفي تَأسِیسِ نقابة الصحفیین الیمنیین، وکان عضوًا في هَیئةِ رئاسة المجالس اللاحقة، وُصُولًا إلى مجلس الشعبِ التَّأسیسيِّ، ومجلس النواب عام 1993.
 
وفي مجلسِ النواب كانَ للنائب الشحاري العديد من المواقف الوطنية داخل قاعة البرلمان فقد كان دائما مُناصراً للحق لم يجامل أحداً ولم يكن من المنتفعين أو أصحاب الطاعة العمياء ورغم انه كانَ طيلة حياته البرلمانية من أعضاءِ هيئة الرئاسة إلا أنه كان ينزل إلى القاعة عند وجود أي موقف يتطلب ان ينتقده، ومن أبرز مواقفه النيابية كلماته في مجلس النواب المشترك بعد الوحدة عندما رفض الحديث من ميكرفون المنصة، وأصر أن يتكلم من القاعة فنزل من المنصة كونه عضو هيئة رئاسة المجلس إلى القاعة وقال: إنني من عشاق القاعة ولستُ من عشاق المنصة. ولهُ موقف آخر بتلك الفترة وبالتحديد عام 1992م حين كانت الحكومة تناقش إجراءات برنامجها، وهو ما لم يعجب بعض الأطراف، فإذا بالرجل الوطني يوسف الشِّحَاري ينزل من منصة رئاسة البرلمان إلى القاعة ويقول مخاطباً النواب: "أية حكومة هذه؟ لا تستطيع تغيير هذا الوزير أو ذاك المحافظ، أو هذا الوكيل؟!".
 
 
يصفه المؤرخ المفتي زبارة قائلاً إنه: (من الضباط الأحرار وأمثاله قد جمعوا الدنيا وهو عفيف نزيه لم يجمع شيئاً وهو أديب شاعر خفيف المؤنة متواضع انتخبته الحديدة بأغلبية ساحقة مراراً لمجلس الشورى والشعب) وعقب المفتي مطير عن ابن مدينته (وهو رجل غيور على دينه ووطنه وله جملة قصائد حماسية شجاع لا يخاف في الله ووطنه لومة لائم).
 
وذكر الأصبَحيُّ في مذكراته أنه من الأحرار القدامى فقال (وزملاء الإذاعة منهم الأستاذ القدير يوسف الشحاري الذي كان مديرا للإذاعة، والأستاذ الشحاري من ضباط كلية الشرطة ومعلم وشاعر إلى جانب أنه يعتبر من الأحرار القدامى.. ولا يزال شريفاً نظيفاً تولى عدة مناصب، وسافرت معه مرتين، مرة عندما كان وكيلاً لمجلس الشورى أولاً وأخرى عندما صار وكيلاً لمجلس الشعب التأسيسي لم أجد مثله أحداً في أخلاقه في الإقامةِ والسفر).
 
وهو الشاعرُ المتجاوزُ الذي لا تفترُ همتهُ في التغني باسم شعبهِ في كل المحافل:
 
بِاسْمِ شَعْبِيْ تَحْلُو الْمَنَايَا وَيَحْلُو
السِّجْنُ دَاراً وَتُسْتَطَابُ الْقُيُوْدُ
لَنْ أُدَارِيْ مَا دُمْتُ أَشْعُرُ أَنِّيْ
يَمَنِيٌّ بِأَرْضِهِ مَشْدُوْدُ
يَمَنِيٌّ يَهْوَى الْحَيَاةَ صِرَاعاً
وَعِرَاكاً يَشِعُّ مِنْهُ الْجَدِيْدُ
 
شاعرٌ ملهمٌ بضميرِهِ يقيسُ المسافاتِ وبه يغوصُ بمهارةٍ عاليةٍ لاستكناهِ الأعماقِ ومن خلالِ الضميرِ يعرفُ حقائقَ الأشياءِ والأخرين؛ يتميزُ عن الآخرينَ بضميرِهِ الحي اليقظِ، كتبَ أصدقَ القصائدِ وبالضميرِ صدَّرَ أروعَ المواقفِ الوطنيةِ والإنسانيةِ وبالضميرِ دافعَ عن الوطنِ وبالضميرِ الحي واجهَ الظلمَ والطغيان ومظاهر العنصرية. يقولُ الشِّحاريُ:
 
يُعْرَفُ الْمَرْءُ بِالضَّمِيْرِ فَإِمَّا
كَانَ خَيِّراً فِي الْحُكْمِ أَوْ شَيْطَانَا
أَوْ عَظِيْماً يَسْمُوْ عَلَى كُلِّ شَرٍّ
أَوْ حَقِيْراً يُلَوِّثُ الْأَكْوَانَا
 
رحمَ اللهُ المواطن/ يوسف الشِّحَارِي وأسكنهُ الفردوسَ الأعلى في الجَنةِ، فقد كانَ مواطناً صالحاً ووطناً أصيلاً وموقفاً نبيلاً لن تنساهُ الأجيال.
 
قَتَلُوْهَا وَأَمْعَنُوْا فِي الْبُكَاءِ
وَأَحَالُوا الرَّبِيْعَ فَصْلَ شِتَاءِ.

ذات صلة