"مدينة النور".. الحلم الذي لا أستبعد تحقيقه في الساحل الغربي

09:13 2025/11/02

من سوء حظي أنني درست في الثانوية القسم الأدبي، وترسخ في ذهني مصطلح المدينة الفاضلة التي تحدث عنها كثير من الفلاسفة، وهي الحلم الذي لم يتحقق إلا في الخيال.
 
ومع مرور الأيام كانت اليمن تنبض بحلم مشابه لذلك المصطلح، وهو مدينة إنشاء النور، حلم خيالي وطموح كبير، كانت البلاد بقيادة الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح ـ رحمه الله تغشاه،  تنوي تحقيق هذا الحلم التنموي عن طريق مشروع جسر عملاق يربط اليمن بالقرن الإفريقي، جسر يربط ضفتي الممر المائي مضيق باب المندب بين اليمن وجيبوتي، بطول 28.5 كيلومتر.
 
تخيلوا لو أن اليمن نجت من كارثة المؤامرة، واستمرت في حالة الاستقرار التي كانت تعيشها، لما صدق البعض أن الفترة التي كانت مرسومة لتنفيذ المشروع قضيناها في حروب داخلية، فخسرنا الواقع والحلم معا.
 
ضمن خطة المشروع العملاق، الذي كانت شركة بن لادن تعتزم تنفيذه، إنشاء مدينة النور في باب المندب وتوأمتها بمدن في الساحل المقابل في جيبوتي عند ملتقى الجسر، الذي كان من المفترض أن تمر عليه ملايين الأطنان من البضائع عبر آلاف الشاحنات، بالإضافة إلى المدن الصناعية التي كانت قد أعُدت لها دراسات الجدوى الاقتصادية، وقُدرت التكاليف الأساسية لتنفيذ الجسر والمدينة.
 
منذ ذلك التوقيت وهذا الحلم يحز في نفسي تعثره وعدم تحقيقه، فبدأ اهتمامي بشغف بالساحل الغربي الذي لم أكن أعرفه من قبل، رغم أن المضيق لا يبعد كثيرا عن مسقط رأسي في مديرية ونص الثاني من المعافر، الدولة المعافرية التي كانت حدودها تتجاوز مياه البحر الأحمر، ومعالمها شاهدة على ذلك الارتباط والتواصل والقواسم المشتركة.
 
بين فترة وأخرى يقترب هذا الحلم من مرحلة التحول إلى واقع؛ فالمشاريع العملاقة تبدأ بخطوة، لتتحول مع مرور الزمن. فتوقيع اتفاقية التوأمة بين تعز ومحافظة جيبوتية أثناء الزيارة الرسمية التي قادها الفريق الركن طارق صالح نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي - قائد المقاومة الوطنية، وبرفقة وفد رسمي، حافظت على استقرار العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وجعلت البناء على تلك العلاقة خطوات يمكن مواصلتها وإن طال الزمان.
 
قد لا أكون مجازفا إن قلت إن هذا الحلم قد يتحقق، وليس شرطا أن يتحقق على المدى القريب، لكنه أقرب من الماضي. نعم، أقرب من الماضي، فالساحل الغربي اليوم أكثر تطورا وازدهارا وتنمية، وبيئة استثمارية أكثر أمانا واستقرارا، وأهم من ذلك وجود قيادة تمتلك طموح الرؤية وبعدا سياسيا واقتصاديا، وعلاقات قادرة على ترتيب رأس المال القادر على تنفيذ مثل تلك الأحلام التي تجمع بين قارتين، وتربط سلسلة من الدول بعلاقات تقوم على المصالح والشراكة التجارية التي تخدم الاقتصاد العالمي.
 
العالم اليوم ينظر إلى هذا المكان باهتمام، وهو أمام خيارين: إما أن يذهب إلى زاوية الجحيم في ظل القراصنة الحوثيين، أو يتحول إلى مجمع مالي وتجاري، وملتقى تجاري، وممر آمن يخدم العالم والدول المشاطئة للبحر الأحمر.